العبادة الصامتة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
فإن الله تعبّدنا بأنواع العبادات الظاهرة والباطنة والفعلية والقولية والبدنية والمالية والعامة والخاصة ؛
فشرع هذا التنويع ليتحقق كمال التأله لله ويندفع السآمة عن المكلف ويتجدد الشوق والرغبة في العمل .
ومن هذه العبادات النافعة والمباركة عبادة التفكر ؛
التي تتعلق بالقلب ولا يستعمل فيها اللسان وباقي الجوارح فهي عبادة صامتة .
وقد ورد في التفكر فضل عظيم في الكتاب والسنة والآثار. قال تعالى في سياق مدح المؤمنين:
(وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)
آل عمران 191
وفي الإسرائيليات روي عن عيسى عليه السلام أنه قال :
(طوبى لمن كان قيله تذكراً وصمته تفكرا ونظره عبراً).
واعتنى السلف بهذه العبادة الجليلة وكان لهم فيها أحوال. قال أبو سليمان الداراني :
(إني لأخرج من منزلي فما يقع بصري على شيء إلا رأيت لله علي فيه نعمة ولي فيه عبرة)
وقال الحسن البصري : (تفكر ساعة خير من قيام ليلة)
وقال أيضا : (الفكرة مرآة تريك حسناتك وسيئاتك)
وقال سفيان بن عيينة : (الفكرة نور يدخل قلبك)
والتفكر معناه في الاصطلاح الشرعي :
إعمال العقل في أسرار ومعاني الآيات الشرعية والكونية عن طريق التأمل والتدبر وملاحظة وجه الكمال والجمال ؛
ومشاهدة الدقة وحسن التنظيم والسنن الكونية والتماس الحكمة والعبرة من وراء ذلك.
وقد خاطب الله الكفار وحثهم على التفكر في ملكوت السماوات والأرض ليعرفوا تفرده واستحقاقه للحمد ؛
فيخلصوا العبادة له وتخبت قلوبهم وتخضع له وتكفر بما سواه من الشركاء العاجزين .
قال تعالى :
(أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ).
الأعراف 185