أجناد الاخباري - بقلم جمال عبد الله : لهذين الفارسين حكاية غريبة وقصة قلّما تجد لها مثيلاً في عصرنا هذا ، فهما شخصان في شخص واحد وروحان اندمجتا لتكونا روحاً واحدة ، فهما من قرية اسمها الجديدة بمنطقة جنين درسا في صف واحد وقاما بعملية بطولية مشتركة وتم اعتقالهما في ذات اليوم وخضعا لتحقيق قاسٍ استمر مدة طويلة وحكما في ذات اليوم وتنقلا معا في كل السجون.
لا يكاد يذكر علاء إلا ويذكر فراس ، أمضيا ستة عشر عاماً كاملة متواصلة في سجون الاحتلال ، خاضا الإضراب عن الطعام معاً وانتسبا إلى الجامعة العبرية معاً ، متشابهان بما يحبان من أنواع الطعام ومشتركان أيضاً في تكوين الصداقات والعلاقات .
أفرج عنهما في ذات اليوم والقيود التي لفت معصميهما في يوم من الأيام هي التي فكت بعد أن أنهيا هذه المدة التي كانت عبارة عن نصف عمريهما واستقلبتهم جنين كعادتها بالزغاريد والأفراح ولم يبقَ صغير أو كبير إلا أتى لكي يسلم على الفارسين .
الوحدة ولم الشمل ونبذ الخلافات وضرورة توحيد الصف حديث لا يفتأ الشابان عن التحدث عنه وعن ضرورته ، حرما من التوظيف لانتمائهما السياسي وأغلقت كل الأبواب في وجههما تزوجا في فترة واحدة ورزق كل منهما بمولود ففي ذات الأسبوع قبل شهر واحد من الآن كان فرحهم لا حد له وكانت الابتسامة لا تفارق محياهما وكانا من أسعد الناس ، ففراس الذي أطلق اسم وليد على ابنه كان ينتظر انتهاء اليوم وبزوغ يوم جديد بفارغ الصبر لعل وليداً يكبر ويبتسم في وجهه ، وكذلك كان حال علاء الذي رزق بمولود اسمه دجانة كان يقول لزوجته ارضعيه أكثر وأكثر لعله يكبر بسرعة وأراه شاباً .
قبل أسبوع وفي وسط النهار وأمام القاصي والدّاني اقتحمت وحدات خاصة فلسطينية ترتدي بزات عسكرية من صنع إسرائيل منزل فراس وعلاء ببلدة جنين وتم اعتقالهما وضح النهار أمام الجميع وبطريقة جعلت كل من ينظر ويشاهد المنظر يلعن أوسلو الذي جاء بهذه الفئة الدخيلة على هذه البلاد .
وفي سجن الجنيد تم وضع الرجلين ، نظر فراس إلى علاء فرأى عيني علاء تمتلئان بالدموع فلم يستطع أن يمسك فراس نفسه حاول علاء أن يخفف عن فراس وقال له أتذكر قبل سبعة عشر عاماً يوم أن اعتقلنا ، هز رأسه فراس قال له أتذكر يوم أن نزعوا عن أحذيتنا رباط الحذاء وأخذوا كل ما بحوزتنا عاد فراس ليهز رأسه ، قال المشهد يتكرر وكأن المشهد تم يوم أمس هز فراس رأسه وأخذ نفساً عميقاً وسأل الضابط هل تعلم أننا أمضينا 16 عاماً كاملة ومتواصلة في سجون الاحتلال وأنه أفرج عنا قبل عام فقط ، أجابه الضابط نعم وهذا لا يهمني ، أنتم تنتمون لمليشيا مسلحة تابعة لحركة حماس وهذا مخالف للقانون لذلك أنتم هنا ، فرد عليه علاء وهل أنت تطبق القانون الآن ؟؟ قال له الضابط نعم ، واليوم ستعرض على محكمة عسكرية ستقوم بمتديد اعتقالك وفق القانون.
كان أول سؤال سئل لفراس وعلاء ما هي العملية التي قمتهم بها عام 1993 ومن أرسلكم؟ نريد كل التفاصيل وبالذات تلك التي لم تعترفوا بها عند الاحتلال وتتابعت الأسئلة والتحقيق ما زال مستمراً مع الفارسين اللذين قدما للوطن نصف عمرهما وعادا ليعتقلا معاً في سجون فتح التي تنكرت لكل ما هو وطني .
قصة علاء وفراس قد تكون ليست القصة الأولى لأسيرين أمضيا مثل هذه المدة ويتم اعتقالهما فهناك مثلهما الكثير فلا يوجد أسير محرر إلا ودفع ضريبة نضاله مرتين مرة عند الاحتلال ومرة عند أذناب الاحتلال بني فتح.
ولكن أن تعتقل من دون تهمة سوى أنك قاومت الاحتلال أمر يدعونا للتفكير عن هذا الفتحاوي الجديد الذي تنكر لكل القيم والمبادئ وبات يسعى إلى إرضاء أسياده الإسرائيليين .
وإلى أن يخرج علاء وفراس ويتمكنا من أداء فريضة الحج التي ينويان القيام بها إن سمحت لهما فتح بذلك ، أقول إنها الحرب التي تستعر وتشنّ ضدنا في الضفة المحتلة مرتين هي الحرب يا رجال تأكل شبابنا وتحرق مؤسساتنا وتحاصر شبابنا ، نحن وقودها وظهورنا محط سياطهم ولعناتنا ستبقى تطاردهم حتى يرث الله الأرض ومن عليها .
فراس وعلاء ... ملعون من اعتقلكما وملعون من يأسركما ومن حرمكما من النظر إلى وجهي وليد ودجانة ومن يريد أن يحرمكما فرحة الحج ، حرمهم الله لذة النظر إلى وجهه الكريم ورفع عنهم رحماته .