لا نُريدُ منكم جزاءً ولا شكوراً
ما أعظم ذلك الداعية الصادق التقيَّ النقيَّ.. الذي امتلأ قلبه بحُبِّ مولاه.. وتعظيم شعائره.. فهو يدعو إِلى الله بكلِّ ما يملك.. ولا يريد من أحدٍ من الناس ثناءً ولا مدحاً ولا تقديراً ولا شهادة شكر، هو يريد: « رضا الله عنه »
فهمّهُ الأكبر أن يُحقِّقَ رضا الله، وهو يسعى دائماً إلى تحقيق تلك الغاية، نعم، إنه ليس فقيراً إلى مدح الناس وثناءهم، ولا ينتظر منهم شكراً لِعَمَلِه، بل يريد أن ينال الشكر الإَلهي له: ? إِن ربنا لغفور شكور ?.
إِن من أسماء الله تعالى: ( الشكور ).. فهو يشكر اليسير من العمل ويُضاعفه بلا عددٍ ولا حسبان.. وذلك الداعية يستحضر ذلك الاسم الإِلهي بعد فراغه من عمله الدعوي، فعندما ينتهي يقف مع نفسه ويتساءل ؟
هل أنا ممن نال الشكر الربَّاني، فهو خائفٌ من الحرمان من الله، ويرجو رحمة ربه، إِن شأن ذلك الداعية شأنٌ غريب، ويُتعب نفسه، ويُنفق ماله، ويكدح ليله ونهاره، وأمام عينيه اسم ( الشكور ).
ما ظنكم بشعوره ؟ ما ظنكم بخواطره ؟ وهو يلتمس الأعمال التي يفوز عليها بالشكر من الله تعالى.
[ والذين هم عن اللغو معرضون ]
في واقع الحياة تصادف أقواماً « لا حياء لهم » فترى الواحد منهم « بذيء اللسان » « عديم المشاعر » « سيئ العشرة ».
وتتفاجأ به وهو يحدثك بكل « جفوة » وينظر إليك « بكل قسوة »، فحينها لابد أن ترتدي لباس « الغفلة » وتلتحف بالحلم.
فوصيتي إليك: أعرض عن هذا، ولا تلتفت إليه ودعه ينبح كما يشاء، ولو وصل صوته إلى الفضاء.
وهذا تاريخ الأنبياء يرسم لك منهج « الإعراض عن السفهاء » وعدم إضاعة الوقت في سماع « كلامهم ».
والأدب الرباني لنا أن نلتزم بهذه النصوص {.. وإذا مروا باللغو مروا كراماً..} {.. وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه..} {.. وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً..} واعلم ـ رعاك ربي ـ أن عندك هموماً أعلى، وأعمالاً أغلى من الالتفات إلى هؤلاء الأغبياء
فانطلق في ( أهدافك ) وحقق ( إنجازاتك ).
وإن بُليت بشخص لا خلاق له فكن كأنك لم تسمع ولم يقل
وقولوا للناس حسنا
إنه توجيه من الرحمن الرحيم، إنه أدب نبيل وخلق جميل....
إنه "اللسان" صغير الحجم عظيم الشأن ما أجمل عندما تخرج منه الكلماتالجميلة الهادئة وما أحسنه عندما ينطلق بالعبارات الصادقة وما أروعه حينما يكونمصدر الحب والاحترام...
"وقولوا للناس حسناً"
إنه خطاب للجميع بأن يختارواأجمل الألفاظ وأحسن الكلمات حينما يتحدثون فيما بينهم. وفي الآية الأخرى ("وقللعبادي يقولوا التي هي أحسن ") أي أجمل وأفضل.
إننا نحتاج إلى اختيار أحسنالكلمات:
مع الوالدين حينما نخاطبهم ونناديهم("وقل لهما قولاًكريما ).
• ونحتاج هذا الخلق عندما يتعامل الزوجان فيما بينهم، فلا تجريحولا تحطيم للمشاعر.... و"خيركم خيركم لأهله.
• ونحتاج إليه في حوارنا وحديثنا معالناس فنختار "أجمل العبارات " و"أصدق الألفاظ.
• ونحتاج إليه عندما نمارسالدعوة إلى الله وذلك عندما ننتقي أحسن الكلمات في خطابنا مع الناس ("فقولا لهقولاً لينا لعله يتذكر أو يخشى ).
• أيها الأحبة: إن الكلمة الطيبة صدقة، وهييسيرة على من يسرها الله عليه.....
• إننا في بعض الأحيان نستخدم "كلمات قاسيةوجارحة"مع أننا نستطيع أن نضع بدلها "كلمة هادئة".
• إن الكلمات مجموعة حروف،ولكنها قد ترفعك عند الله وعند الناس، وقد تهوى بك إلى الجحيم والنيران......
• إنني أوصيك بأن تختار "كلمات جميلة "لتكون في "ميزان حسناتك" (" اقرأ كتابك).
• واعلم أخي وأنت يا أختاه أن المجاهدة علىحفظ اللسان وإصلاح المنطق من الأعمال التي يحبها الله تعالى (" والذين جاهدوا فينالنهد ينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ") إنني أتمنى أن يصبح كل واحداً منا حريصعلى اختيار الكلمة قبل إخراجها........وهذا دليل التقوى ("والله يحبالمتقين ).
إِن مع العسر يسراً
لا أحد في الحياة إِلا وقد ذاق مرارة الأسى، وشرب من كأس الحزن، ولبس ثياب المرض.. ويا ترى من الذي لم يتجرع غصص الهموم، ونزلت بساحته أمطار المصائب.. لا أظن أن أحداً نجا مما ذكرت..
ولكن المؤمن ينظر لذلك من نافذة « الكتاب والسنة » ليرى قرب الأمل، وضياء الفجر، وأن العسر يعقبه يُسر، وأن النصر مع الصبر، وان الفرج مع الكرب، وان الأيام القادمة تحمل الأفراح، وأن الليالي تعانق السرور.
فيا مهموم، إِن ربك حكيم فيما قدَّر عليك، فلا تقنط وتجزع.. ( لا تحسبوه شراً لكم ) ووالله إنه قريبٌ وسميعٌ لصوتك.. ( إن ربي لسميع الدعاء ).. فابتسم، وانتظر الفرج، وأبشر فإن مع العسر يسرا.
إن سعيكم لشتَّى
مع إشراقة شمس النهار ينطلق الجميع لمزاولة الأعمال، والكل له غاية يسعى إليها، وهدف يسمو إليه، وتفاوت الناس في أهدافهم لا يحصيه إلا الله..
ولكن من الذي سيفوز نهاية المطاف ؟ سيفوز بلا شك من كانت غاية مطلوبه ومنتهى أمله " رضا الله ".. ويا سعادة من إذا أصبح وإذا أمسى ليس يرجوا إلا ربه ورحمته ورضوانه، فهو يسعى ويعمل وهو يتلمس ويبحث عما يحبه الله لكي يعمله وما يكرهه الله لكي يتركه.
وهناك في الطرف الآخر، أصناف من الناس لا يبالي الواحد منهم بطاعة ربه، ولا بما يحبه الله، بل إنه يبحث عما تهواه النفس، وما يدل عليه الهوى ( أرأيت من اتخذ إلهه هواه ) الفرقان { 43}.
وهؤلاء يتقلبون في الشهوات والآثام وهي غاية أهدافهم.. لبئس ما كانوا يصنعون، وهم في النهاية من سيندم.. ولكن لن ينفع الندم..
لا تتمسك إلا بهذا
(( فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ))[الزخرف:43].
إنها آية جليلة القدر، عظيمة المعنى، فيها النجاة والسلامة لكل من عمل بمدلولها.
إن التمسك بالوحي فيه الخير كله في الدين والدنيا، وفيه السلامة من كل ضلالة وانحراف، وفيه الثبات ودوام الاستقامة، وفيه السعادة في الدنيا والآخرة.
قال السعدي في تفسير الآية: ( فاستمسك ) أي: فعلاً واتصافاً بما يأمر بالاتصاف به ودعوة إليه، وحرصاً على تنفيذه بنفسك وفي غيرك.
(( إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ))[الزخرف:43] أي: موصل إلى الله وإلى دار كرامته، وهذا مما يوجب عليك زيادة التمسك به والاهتداء. ا.هـ.
وقال ابن كثير: أي: خذ بالقرآن المنزل على قلبك فإنه هو الحق، وما يهدي إليه هو الحق المفضي إلى صراط الله المستقيم. ا.هـ.
إن الاعتصام بالكتاب والسنة وخاصة في أوقات الفتن هو المخرج وهو المنجى بتوفيق الله تعالى؛ ومما يؤكد ذلك، هذا الحديث: ( تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي ) صحيح الجامع (2937).
وإن الناظر في أحوال الناس اليوم يجد أن بعضهم قد أعرض عن الكتاب والسنة، لا قراءة ولا تدبراً ولا عملاً ولا تحاكماً، بل هو متبع لهواه أو لمذهب شيخه وقدوته، أو لرأي محبوبه، أو غير ذلك من الأهواء والمذاهب.
ولا شك أن كل من أعرض عن الحق سيقع في الباطل، وكل من بحث عن الهداية في غير الكتاب والسنة فوالله لن يجدها مهما طال عمره.
إذا شئت أن ترضى لنفسك مذهباً
تنال به الزلفى وتنجو من النار
فدن بكتاب الله والسنن التي
أتت عن رسول الله من نقل أخيار
لا تحزن وعليك بالسجود
كنت اقرأ في آخر سورة " الحجر " فمرت علي هذه الآية: (( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ))[الحجر:97-98] وحينها توقفت متأملاً لهذه الوصية الربانية لنبينا صلى الله عليه وسلم.
نعم.. إن طريق الدعوة محفوف بالمكارة وتجتذبه أطراف من الهموم وتحيط به أمواج من الأذى، ولعل الداعية الصادق يفقد الصبر أو يخف عنده في بعض الأوقات حينما يشتد الكرب ويتأخر النصر.
فحينها تأتي الوصية الإلهية لتلقي عنك الهموم وتسمو بروحك نحو العلا وتأخذ بأحزانك لتلقي بها بعيداً عن نفسك الطاهرة (( فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ))[الحجر:98].
نعم.. عليك بالتسبيح ليطمئن القلب ولكي ينشرح الصدر وتنزل السكينة، نعم.. عليك بالسجود لكي تذوق طعم القرب من الرب تبارك وتعالى وتتقلب في رياض الأنس والسرور مع العزيز الغفار.
يا محمد إذا ضاق صدرك فاعلم أن العبادة هي التي تزيل الهموم وتفرج الكربات، نعم.. إن أذى الكفر لا يتوقف ولن يهدأ.
وأنت أيها الداعية لابد أن تكون علاقتك بربك وخضوعك وخشوعك بين يديه في أعلى صورة وأرقى درجاته (( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ))[الحجر:99].