يمر في الحياة الكثير من الأشخاص الذين يرون أنفسهم بأنهم مجرد ضحايا، قد يكونون ضحايا لمجتمعهم أو لظروفهم، أو لأي سبب آخر، المهم أنهم دائما يشعرون بقلة الحيلة، وأنهم لا يملكون السيطرة على ظروفهم.
وأبناء هذه الفئة نجدهم دائما يرددون عبارات مكررة مثل؛ "الذنب ليس ذنبي، وإنما السبب فلان"؛ أي أنهم يميلون إلى تحميل الآخرين السبب بالمشاكل والصعوبات التي تواجههم، والتي يعتقدون بأنهم أضعف من أن يسعون لتغييرها نحو الأفضل.
إن شعور الشخص بأنه ضحية، ينبع من شعوره الداخلي بالضعف تجاه كل ما يواجهه من صعوبات، ولكوننا جميعا لا نحب الاعتراف بضعفنا، فإننا غالبا ما نلجأ لإلقاء المسؤولية على غيرنا، سواء كانوا أشخاصا أو حتى على حدث معين مر بنا.
ومن هنا يمكننا أن ندرك بأن السبب الرئيسي للشعور بأننا ضحايا، هو الاعتقاد بأننا ضعفاء، وهذا الاعتقاد يأتي بعدة خواطر تمر بالذهن ونستمر بترديدها مثل؛ "يستحيل أن أحصل على ما أريد" أو "لا يمكنني الثقة بأحد" أو "الحياة صعبة".
ويدرك المرء الذي يشعر بأنه ضحية مدى الإنهاك والوهن الذي يصيبه جراء هذا الشعور، والسبب بهذا الوهن ينبع من كون شعور المرء بأنه ضحية يؤدي إلى إضعافه وتشتيت ذهنه عن حقيقة قدراته على مواجهة مصاعب الحياة على اختلاف أشكالها.
لذا لو كنت تثق بقدراتك وبسيطرتك على شؤونك الخاصة وتعرضت لمشكلة ما في مجال معين، في علاقتك مع شريكة حياتك مثلا، أو كنت تعاني من مشكلة مادية، فإنك ستتمكن من استخراج القوة الكامنة لديك، والكفيلة بمساعدتك على تجاوز تلك المشكلة. ولو لم ينفع معك حل معين، ستتمكن من التعلم من الخطأ، وتحاول تكرار المحاولة إلى أن تنجح بمسعاك وبأقل الأضرار.
لكن، وعلى الجانب الآخر، لو كانت لديك عقلية "الشخص الضحية"، أو بمعنى آخر لو كنت تشعر بضعفك على مواجهة الأزمات، فإنه من المرجح أنك ستلقي باللوم على العالم من حولك، وتقنع نفسك بأنه لا يوجد شيء باستطاعتك فعله لتجاوز الأزمة التي تعاني منها.
ومن هنا يمكننا فهم سبب أن عقلية الشخص الضحية تعد من أكثر المشاكل المدمرة، التي يمكن للمرء أن يتعرض لها. لأنك لو تعرضت لأي مشكلة أخرى، لكنك كنت تثق بنفسك وبقدراتك، فإنه عندها ستكون لديك القدرة على إيجاد الحل المناسب، لأي موقف يمكن أن يصادفك.
ويمكننا معرفة الأشخاص الذي يعيشون هذه الحالة، من خلال أحاديثهم التي تكون غالبا مليئة بعبارات مثل "يا ويلي" و"الذنب ليس ذنبي" وما إلى ذلك من عبارات تؤكد لهم أنهم مجرد ضحايا للمواقف التي يتعرضون لها. وهناك أيضا ما يسمى بـ"عقلية الضحية المتوارية" التي لا يقوم أصحابها بإطلاق مثل تلك الجمل السابقة، ويخفون مشاعرهم داخلهم، لدرجة أنهم يحاولون إخفاء تلك المشاعر عن أنفسهم. لذا فإن ذوي عقلية الضحية لا يشترط بهم أن يعبروا عن هذه العقلية بالكلمات، لكنهم قد يعملون على إخفائها بعبارات مثل؛ "كل شيء يسير على ما يرام، صدقوني".
وفيما يلي عدد من السمات التي تميز صاحب عقلية الضحية على اختلاف نمط تفكيرهم وطرق تعبيرهم:
- يتميز من يملك عقلية الضحية بأنه شخص لا يمكن الاعتماد عليه، لكونه يتجنب تحمل مسؤولية تصرفاته، ويتميز بسرعة إلقاء اللوم على من حوله في حال واجهته أي مشكلة صغيرة.
- لا يملك صاحب عقلية الضحية ما يعرف بالمرونة، بمعنى أنه لا يستطيع الوقوف بسرعة في حال تعثر عند مواجهة إحدى المشاكل.
- يتميز صاحب عقلية الضحية بالسلبية بشكل عام.
- يشعر صاحب عقلية الضحية بالغضب تجاه الأشخاص الذين يعتقد بأنهم السبب بالمشكلة التي يواجهها، لكن تحت هذا الغضب يكون الشعور بالضعف وعدم القدرة على المواجهة.
- قد يحصل أن يتعرض الشخص العادي لموقف يضعه في خانة الضحية، لكنه لا يستسلم وينجح بالعديد من الجوانب الأخرى، بينما نجد بأن أصحاب عقلية الضحية يجدون تحقيق النجاح من الأمور الصعبة جدا عليهم. فلكي تنجح يجب أن تتعلم من أخطائك السابقة، لتعاود المحاولة مرة بعد أخرى إلى أن تنجح، لكن أصحاب عقلية الضحية يعتبرون أي خطأ يقعون به هو نتيجة لقوة خارجية؛ كالأشخاص أو الظروف من حولهم، لا يمكنهم السيطرة عليها.
لذا لو كنت تشعر بأنك تملك عقلية الضحية، فاعلم أن مصدر هذه المشكلة هو مصدر معظم المشاكل الأخرى نفسه، ألا وهو معتقداتك. فالناس والأحداث من حولك ليست المسؤولة عن شعورك بأنك ضحية، لكن المسؤول الحقيقي هو معتقداتك. لذا عليك بأن تسعى للتخلص من هذه المعتقدات وستجد بأن شعورك بأنك ضحية قد اختفى وللأبد.