أما بعد :
فقد وقفت عشرا ، واستفدت عشرا .
استفدت عشرا :
أولها : اللجوء إلى الله في الملمات ، وقصده في الكربات ، وسؤاله في الأزمات .
ثانيها : أن مع العسر يسرا ، ومع الكرب فرجا ، ومع الضيق سعة ،وبعد الشدة رخاء
ثالثها : أنه ليس لك في المصاعب إلا الله ، وما لك عند الدواهي إلا الله . وما معك في الخطوب إلا الله (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ) .
رابعها : أن العلماء يصيبون ويخطئون ، والدعاة يحسنون ويغلطون ، والمصلحون يسددون ويعثرون إلا محمدا صلى الله عليه وسلم فهو المصيب بلا خطأ ، والمسدد بلا غلط ، والمصلح بلا عثرة (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى)(إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ( النجم :3 ـ 4) .
خامسها : أن الكتب تعرف منها وتنكر ، وتقبل وترد وتوافق وتخالف ، إلا الوحي كتابا وسنة ، ففيه الصحة كلها ، والصواب أجمعه ، والحق أتمه وأكمله ، والعدل أوله وأخره.
سادسها : أنه ليس لأحد أن يدعي أنه المخول وحده لنصر الدين ، ولا التكلم باسمه ، فدين الله منصور ، شاء من شاء ، وأبي من أبي ( فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ) ( الأنعام : 89 ) . نصره محمد العربي ، وسلمان الفارسي ، وصهيب الرومي ، وبلال الحبشي ، وصلاح الدين الكردي ، ونور الدين التركماني ، وإقبال الهندي .
سابعها : أن الرفق هو الطريق الأمثل للدعوة . وأن الكلمة اللينة هي السحر الحلال ، وأن الأسلوب السهل هو مصيدة الرجال .
ثامنها : أن غالب محاضرات الدعاة وندوات العلماء حسن وصواب ، وحق وعدل ، والقليل النادر غلط وخطأ ، لعنصر البشرية ، وضعف الإنسانية ، وانتفاء العصمة ، وانقطاع الوحي .
تاسعها : وجدت أن الأمة لا يشفي عليلها ولا يروي غليلها مقطوعة من فنان ، ولا طرح من علماني ، ولا هيام من شاعر ، ولا خيال من فيلسوف ، إنما يحييها ، ويرفعها ، ميراث من نبوة ، وتركه من رسالة ، وأثارة من وحي : (َ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ )(الرعد: من الآية17) .
عاشرها : وجدت أن الأمة قد تكون غير منتجة ، ولا مخترعة ، ولا منكشفة ، ولا مصنعة ، ولكنها لا تعيش بلا إيمان ، ولا تحيا بلا رسالة ، ولا تشرف بلا منهج : (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا )(الأنعام: من الآية122) .
تلك عشرة كاملة . . أهديها لمحبي النصح ، وعشاق الفضيلة ، وطلاب الحقيقة ، وشداة الإصلاح ، ورواد المعرفة : (ِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عليه تَوَكَّلْتُ وَإليه أُنِيبُ)(هود: 88).
دعها كما شاءها الرحمن جارية
الله يحفظها والله يرعاها
لها من الوحي نور تستضئ به
وبهجة الغار تبدو في محياها
الشيخ عائض القرني