في مكان ما على الأرض حيث
تمتد المستنقعات الطينية بلونها البني الكئيب على امتداد البصر لتلتقي في
الأفق البعيد مع سماء تلبدت بسحب تلونت بألوان قوس قزح .. انشغل مجموعة من
الرجال والنساء وبمساعدة معدات واليات ضخمة غريبة الشكل وعظيمة الحجم أشبه
ما تكون بالرجال الآليين في عمليات تنقيب وحفر ومسح ميداني وسط ما يشبه
القاعدة الخرسانية المترامية الأطراف والتي حوت في أجزاء منها على مسطحات
استخدمت كمهابط و مقالع مستمرة لسيل من المركبات الغريبة الشكل والتي تشبه
المركبات الفضائية ..
الآلات تغوص في المستنقع الطيني الذي يتحول سطحه إلى قطع صخرية بفعل
إشعاعات خاصة تطلق علية من الآلات أخرى .. فجأة تصرخ إحدى العاملات وسط صخب
الآلات المتعالي للتوقف عن العمل وبالفعل تنصاع الآلات التي برفقتها ويعم
السكون لتعمد الفتاة إلى ناقل للصوت والصورة لتبلغ عن احتمال عثورها عن شيء
ما ،بعد
أن لاحظت رفض الآلات الولوج إلى قلب إحدى الكتل الصخرية .. يستنفر كل من
في الموقع على عجل متراكضين نحوها وقد توقف العمل في كافة الأرجاء والمواقع
الأخرى ومن بينهم شاب في مقتبل العمر ما إن اقترب من الفتاة التي قاربته
في العمر وارتدت نفس زيه ولكن بلون مختلف ، حتى بدرها سائلا …
ــ مالا مر ؟!!
ــ اظننني عثرت على شيء .
ــ أ متأكدة ؟
ــ سنتأكد بعد المسح الإشعاعي .
بعد المسح تتجه والشاب وآخران نحو شاشة على جهاز آخر اظهر قراءة عربية
الحروف .. جثوا على ركبهم للتركيز وكأنهم غير مصدقين ما يقرئون من معلومات
التي أوضحت عن العثور على نتوء صخري على عمق خمسة آلاف متر من مادة المرمر
المخلوط بالرخام في تشكيل خرساني ويمتد حتى قاع المستنقع .. غمغم الشاب بعد
القراءة ..
ــ ما معنى هذا ؟؟
ــ مادته من المرمر المخلوط بالرخام في تشكيل خرساني .. أيمكن أن يكون بداية لتمثال ؟!
عقب الفتى الآخر .. فبادرت الفتاه على الفور ..قائلة ..
ــ علينا إبلاغ الأستاذ عمر على الفور .
ــ معك حق ..هو الوحيد الذي بإمكانه الجزم .. هل تعلمين أين هو ألان ؟
ــ أظنه في المحطة المدارية لكوكب المريخ .
***
في مدار الكوكب الأحمر " كوكب المريخ " كانت تحلق على مقربة من غلافه
الخارجي مجموعة من الأجسام الغريبة اتصلت ببعض على شكل هلالي طوقت الغلاف
الخارجي .. داخل هذا الشكل كانت تقبع قاعدة فضائية جهزت بأحدث واعقد الآلات
الالكترونيه ذات التقنية العالية والتطور العالي الأداء بدئا من الحاسوب
وانتهائا بالرجال الألين .. في إحدى قاعات المحطة والتي تشعبت وتفرعت
ممراتها واقتنيتها بشكل قارب على التعقيد حتى كادت أن تتداخل فيما بينها ..
قبع فيها أحد العلماء يزاول عمله باهتمام حينما وصل إلية عبر أحد أجهزة
الاتصال من يبلغة بأن قائد وحدة التنقيب الأرضية يطلب الآذن بالدخول .. ولم
يتأخر العالم بالسماح له .. يدخل الشاب الذي كان في موقع التنقيب في
المستنقع .. بعد التحية بادرة العالم على انشغاله بكتابة معادلة رياضية
طويلة ملئت رموزها لوحا زجاجيا امامه .. يسأله
ــ ما ورائك أيها الشاب ، ما هو موضوعك الهام الذي رفضت التحدث عنه عبر الناقل ؟
ــ سيدي ، أظننا عثرنا على ما يثبت وجود أثرا لحياة في المستنقعات الغربية .
أذهله الخبر فتجمد في مكانه وتوقف عن الحركة وغرق في صمت طويل واكتفى برفع رأسه متفرسا بوجه محدثه عبر نظارته الطبية الصغيرة ..
***
لم تمر دقائق طويلة حتى كان الاثنان على متن إحدى المركبات تشق بهما الفضاء
الواسع المتخم بالنجوم بأتجاة كوكب الأرض حيث موقع التنقيب .. أثناء ذلك
كان النقاش بين الاثنين يحتد .. قال الرجل بإصرار ..
ــ مستحيل ، لم تسجل آيه دراسة أو بحث ميداني سابق بل حتى التنقيبات التي
جرت على مدى اكثر من خمسين عاما مضت لم تفلح في العثور على أي دليل لوجود
حياة في هذا الموقع .
ــ ذلك لأنها لم تصل إلى العمق الذي وصلنا أليه نحن .. لقد عثرنا على هذا النتوء على عمق اكثر من أربعة آلاف متر تحت باطن المستنقع .
ــ ربما لان لا أحد كان يتوقع أن تكون الترسبات الطينية وحركة قشرة الأرض قد وصلت إلى هذا العمق .
ـ أنت توقعت ذلك .
التفت أليه وبهدوء قال ..
ــ أنا لم أتوقع يا فتى بل خمنت وهناك فرق .
ــ على أي حال لننظر إلى الجانب المشرق من الأمر لدينا اكتشاف .
ــ لنأمل ألا يخيب آمالنا .
ــ سيكون كشفا يضعنا في المقدمة .
ــ نعم ولعلة يؤكد نظرية الأستاذ إسماعيل .
ــ المجنون .. ( التفت أليه جليسه بنظرات شزرة وقسماته تشع بالسؤل مما اشعر الفتى بخطئه وتراجع .. قائلا ) عذرا سيدي لم اقصد ولـ ..
قاطعة ..
ــ إسماعيل لم يكن مجنونا يا فتى .. لقد كان عالما ولم يكن خطئه أن الآخرين
رفضوا نظريته حول وجود حياة في ذلك الجزء من الأرض قبل خمسة آلاف عام .
ــ لكنه لم يستطع أن يثبت ذلك ..
ــ لان المؤامرة التي حيكت حوله كانت متقنه بشكل لم تترك له أي خيار آخر
غير الجنون ويكفيه انه قدم لها أسبابا معقولة لانهيارها وفنائها .
ــ أسباب ؟!!
ــ اجل .
ــ ولكني لم اعلم بأنه قد ..
قاطعه ..
ــ أنا وابنه الوحيد اللذان يعلما بذلك .
ــ هل لي أن اعرفها ؟
صمت لبرهه وهو يطالعة ثم أردف ..
ــ ولكن إياك أن تبلغ أحدا قبل أن نصل لحقيقة ذلك الاكتشاف .. بعد أن رفض
المجمع العلمي المصادقة على نظريته قرر التفرغ للبحث في أسباب انهيارها
لعلهم بذلك يقتنعون أو بالأحرى يجبرهم على الاقتناع وبالفعل فقد باشر في
أبحاثه هذه قبل عشرون عاما واستطاع التوصل إلى نتيجة مفادها أن فناء تلك
الحضارة كان بسب الذوبان والتلاشي .
ــ الذوبان والتلاشي ؟!!
ــ اجل .. فاعتمادا على المسح الإشعاعي لتربة المستنقعات الطينية وعينات من
هوائها وأحيائها المجهرية استنتج بأن تلك المستنقعات كانت قبل اكثر من
خمسة آلاف عام مضت عبارة عن ارض وبحار عظيمة قامت عليها حضارة متطورة
ولعلها اكثر تطورا من أي حضارة عرفناها حتى ألان ولكن ومع بلوغها اوجها ذوت
وتلاشت بسبب اعتمادها على علوم وتقنيات متطورة إلى حد قدرتها على استنباط
أنماط من المؤثرات الفتاكة عبر نظرية الاستيلاد والنسخ لخلق أحياء ومخلوقات
جمعت بين الإنسان والحيوان والنبات والآله .
ــ إلى هذا الحد ؟!!
ــ بل واكثر فقد ذكر بأن تجاربه على عينات الهواء الموجود في سوائل
المستنقع قد أكدت له بما لا يدع مجالا للشك بأن ثمة مجالات أشعا عيه ذات
ترددات مرتفعة لا زالت تتوالد بشكل فعال ونشط بحيث أعطت دليلا على أنها جزء
أساسي من نشاطات سابقة أقوى بكثير أدى تفاعلها وانتشارها إلى قتل كل
الأحياء في هذه البقعة من الأرض وبالتالي فنائها .
ــ وتكفلت حركة قشرة الأرض والبراكين والزلازل على مر السنين الماضية بالباقي .
ــ بالضبط .
ــ حضارة تقتل بانيها ومنشئها.. أيمكن ذلك ؟!!
ــ إذا ما فقدت الأخلاق والوازع الإنساني فتوقع اكثر من ذلك .. وهذا ما
دعاني وابنه إلى لزوم الصمت وعدم البوح ببحوثه لاحد بعد اتهامه بالجنون
وفصله من المجمع العلمي .. ببساطة لم نقتنع كثيرا بنتائج البحوث ولكن يبدو
إننا اليوم على وشك التصديق وربما العالم معنا .
***
بعد شهور من الحفر حول الجسم المرمري اكتشف انه جزء من تمثال ضخم حتى انهم
بعد كل هذه الفترة من العمل لم يصلوا إلا إلى منتصفه و اضحى العالم بأجمعه
مدعوا ليشهد عبر وسائل أعلامه على اختلافها رؤية هذا الأثر العلمي المهم ..
بعد كلمة مقتظبة للأستاذ عمر ورده على الأسئلة أماط اللثام عن التمثال
الذي لم يكن سوى .. تمثال الحرية .
الخميس يونيو 18, 2015 1:52 pm من طرف 
موضوع: التمثال --- 
