أخطأ المصريون حين عادوا إلى بيوتهم بمجرد سقوط حسني مبارك، متخلين عن إتمام ثورتهم حتى إسقاط من كانوا مع الفرعون طيلة ثلاثين عاما، حكم فيها مصر بالحديد والنار، ثم تخلوا عنه وسلموه جيفة لخصومه ليلة القبض عليه، تماما مثلما يخطئ الليبيون حين يُسلّمون السلطة، تحت رعاية فرنسية قطرية مشتركة، إلى من كانوا أصدقاء وحلفاء للعقيد الليبي معمر القذافي، على غرار وزير العدل في نظامه الظالم، مصطفى عبد الجليل، أو سفيره ووزير خارجيته لعقود، عبد الرحمن شلقم.
هناك محاولة خطيرة للسطو على المكاسب التي حققها الربيع العربي، من خلال الإرادة الخبيثة للبعض وبحثهم المستمر عن تجديد الدماء، وتغيير الجلد، مع محاولة التأقلم مع المناخ الجديد في أكثر من بلد عربي، على غرار ما يفعله المجلس العسكري الذي كان يأتمر بأوامر مبارك وابنه، ويحاول اليوم تصوير نفسه، المنقذ والمتضامن مع الشعب في مطالبه المشروعة، أو ما يفعله من كانوا بالأمس أزلاما عند القذافي وعائلته، على غرار الإعلامي سليمان دوغة الذي ظل لسنوات الصديق المقرب من سيف الإسلام، والمستفيد من سلطته ومن مال الشعب الذي يسرقه، ليخرج علينا الآن عبر الجزيرة مهنئا الليبيين بالقبض عليه، داعيا لمحاكمته؟!
كيف يستقيم الأمر؟ وهل يكفي الانشقاق في اللحظات الأخيرة قبل سقوط الديكتاتور لإعفاء أعوانه ومريديه وحلفائه من المحاسبة والمحاكمة؟ حتى في سوريا، لم يخجل عبد الحليم خدام، الرجل القوي في نظام حافظ الأسد، وسارق السلطة رغم أنف الدستور لصالح ابنه بشار، من الخروج للمطالبة بالديمقراطية للسوريين وبإسقاط النظام وهو الذي أمعن في قتل الأبرياء لعقود، والكلام ذاته ينطبق على رفعت الأسد، عم بشار،والذي فر هاربا، متهما بالسرقة، لينشئ قناة إخبارية في أوروبا تدعو للديمقراطية والحريات؟
لماذا لا يعود الجيش المصري إلى ثكناته، ويسلّم السلطة عاجلا للمدنيين من أصحاب الثورة الحقيقيين، ولماذا لا يعتذر حكام ليبيا الجدد عن تحالفهم مع العقيد الذي طبلوا وزمروا لمقتله بطريقة بشعة، وقد كانوا بالأمس يتراقصون على الجثث التي يقتلها بالشكل ذاته!
إذا كان الربيع العربي يستحق الخشية حقا، فمن أعوان المستبدين الذين يغيرون جلودهم أكثر من المستبدين أنفسهم، وكأن هنالك صوتا ما، يقول داعيا، اللهم احم هذه الأمة من حزب المتلونين، أما حفنة القتلة المستبدين، فالشعوب كفيلة بهم، ومزبلة التاريخ تتسع للجميع.