الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا وقدوتنا سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم وبعد :
فنتم اليوم ماتبقى من الدروس السابقه وهو انواع الشرك وبالله التوفيق
ب - أنواع الشرك
الشرك نوعان :
النوع الأول
: شرك
أكبر يُخرج من الملة ، ويخلَّدُ صاحبُهُ في النار ، إذا مات ولم يتب منه ،
وهو صرفُ شيء من أنواع العبادة لغير الله ، كدعاء غير الله ، والتقرب
بالذبائح والنذور لغير الله من القبور والجن والشياطين ، والخوف من الموتى
أو الجن أو الشياطين أن يضروه أو يُمرضوه ، ورجاء غير الله فيما لا يقدر
عليه إلا الله من قضاء الحاجات ، وتفريج الكُربات ، مما يُمارسُ الآن حولَ
الأضرحة المبنية على قبور الأولياء والصالحين ، قال تعالى : وَيَعْبُدُونَ
مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ
هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا
لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ .
والنوع الثاني
: شرك أصغر لا يخرج من الملة ؛ لكنه ينقص التوحيد ، وهو وسيلة إلى الشرك الأكبر ، وهو قسمان :
القسم الأول
: شرك ظاهر على اللسان والجوارح وهو : ألفاظ وأفعال ، فالألفاظ كالحلف بغير الله ، قال - صلى الله عليه وسلم - : من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك . وقول : ما شاء الله وشئت ، قال - صلى الله عليه وسلم - : لما قال له رجل : ما شاء الله وشئت ، فقال : أجعلتني لله نِدًّا ؟ ! قُلْ : ما شاءَ الله وحده .
وقول : لولا الله وفلان ، والصوابُ أن يُقالَ : ما شاءَ الله ثُمَّ شاء
فلان ؛ ولولا الله ثمَّ فلان ، لأن ( ثم ) تفيدُ الترتيب مع التراخي ،
وتجعلُ مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله ، كما قال تعالى : وَمَا تَشَاءُونَ
إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ .
وأما الواو : فهي لمطلق الجمع والاشتراك ، لا تقتضي ترتيبًا ولا تعقيبًا ؛
ومثلُه قول : ما لي إلا الله وأنت ، و : هذا من بركات الله وبركاتك .
وأما الأفعال : فمثل لبس الحلقة والخيط لرفع البلاء أو دفعه ، ومثل تعليق
التمائم خوفًا من العين وغيرها ؛ إذا اعتقد أن هذه أسباب لرفع البلاء أو
دفعه ، فهذا شرك أصغر ؛ لأن الله لم يجعل هذه أسبابًا ، أما إن اعتقد أنها
تدفع أو ترفع البلاء بنفسها فهذا شرك أكبر لأنه تَعلَّق بغير الله .
القسم الثاني
من الشرك الأصغر : شرك
خفي وهو الشرك في الإرادات والنيات ، كالرياء والسمعة ، كأن يعمل عملًا
مما يتقرب به إلى الله ؛ يريد به ثناء الناس عليه ، كأن يُحسن صلاته ، أو
يتصدق ؛ لأجل أن يُمدح ويُثنى عليه ، أو يتلفظ بالذكر ويحسن صوته بالتلاوة
لأجل أن يسمعه الناس ، فيُثنوا عليه ويمدحوه . والرياء إذا خالط العمل
أبطله ، قال الله تعالى : فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا .
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
أخوفُ ما أخافُ عليكم الشرك الأصغر ، قالوا : يا رسول الله ، وما الشرك الأصغر ؟ قال : الرياء .
ومنه : العملُ لأجل الطمع الدنيوي ، كمن يحج أو يؤذن أو يؤم الناس لأجل
المال ، أو يتعلم العلم الشرعي ، أو يجاهد لأجل المال . قال النبي - صلى
الله عليه وسلم - :
تَعِسَ عبدُ الدينار ، وتَعِسَ عبد الدرهم ، تعس عبد الخميصة ، تعس عبد الخميلة ، إن أُعطي رضي ، وإن لم يُعطَ سخط .
قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - : (
وأما
الشرك في الإرادات والنيات فذلك البحر الذي لا ساحل له ، وقلَّ من ينجو منه
. فمن أراد بعمله غير وجه الله ، ونوى شيئًا غير التقرب إليه وطلب الجزاء
منه ؛ فقد أشرك في نيته وإرادته ، والإخلاص : أن يُخلصَ لله في أفعاله
وأقواله ، وإرادته ونيته . وهذه هي الحنيفية ملة إبراهيم التي أمر الله بها
عباده كلهم ، ولا يُقبلُ من أحد غيرها ، وهي حقيقة الإسلام ، كما قال تعالى : وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ .
وهي ملَّةُ إبراهيمَ - عليه السلام - التي من رغب عنها فهو من أسفَهِ السُّفهاء ) انتهى .
يتلخَّصُ مما مرّ أن هناك فروقًا بين الشرك الأكبر والأصغر ، وهي :
1- الشرك الأكبر يُخرج من الملة ، والشرك الأصغر لا يُخرج من الملة ، لكنه ينقص التوحيد .
2- الشرك الأكبرُ يخلَّدُ صاحبه في النار ، والشرك الأصغر لا يُخلَّد صاحبُه فيها إن دَخَلها .
3- الشركُ الأكبرُ يحبطُ جميعَ الأعمال ، والشركُ الأصغرُ لا يُحبِطُ جميع
الأعمال ، وإنما يُحبِطُ الرياءُ والعملُ لأجل الدنيا العملَ الذي خالطاه
فقط .
4- الشرك الأكبر يبيح الدم والمال ، والشرك الأصغر لا يبيحهما .