أحبتي في الله
أردت أن نبدأ في فهم عميق لهذا الدين
نعرف بها مالنا وما علينا
فان فهم القشريان من الدين جعلنا أمه بلا هوية
ومن هذا المنطلق اليكم القواعد الفقهية التي تبين لنا عظمة هذا الدين
أسأل الله أن ينفعنا بها انه قريب مجيب
القواعد الفقهية
معنى القواعد الفقهية
اللغة :
جمع قاعدة ، وهي لغة : أساس البناء .
واصطلاحًا :
حكم أغلبي ينطبق على معظم جزئياته لتعرف أحكامها منه ، فأحكامها ليست كلية بل هي أغلبية
ذلك أن بعض فروع تلك القواعد يعارضها أثر أو ضرورة أو قيد أو علة مؤثرة ، فتخرجها عن الاطراد ، فحكم عليها بالأغلبية لا بالا طراد .
ميزاتها :
تمتاز القواعد الفقهية بمزيد من الإيجاز في صياغتها على عموم معناها ، فتعتبر من جوامع الكلم كقولهم :
" الأمور بمقاصدها " أو " المشقة تجلب التيسير "
فكل من هاتين الجملتين قاعدة كلية كبرى ، يندرج تحتها ما لا يحصى من المسائل الفقهية المختلفة .
وفي هذه القواعد الكلية الفقهية ضبط لفروع الأحكام العملية .
ان شاء الله نلقى تفاعل بهذا الموضوع لاهميته
القاعدة الثالثة من القواعد الكبرى
" المشقة تجلب التيسير "
المعنى اللغوي :
المشقة : التعب والجهد والعناء .
التيسير : السهولة والليونة .
المعنى الاصطلاحي :
أن
الأصل في الأحكام الشرعية أن تطبق ، ويعمل بها وفق ما أمر به الشارع ، غير
أن هذا التطبيق مشترط بالاستطاعة والقدرة على التطبيق ، ومتى عدمت تلك
الاستطاعة والقدرة ، فإن الأمر يرفع إما كليا أو جزئيا ، يرفع كليا بانتفاء
أسبابه ، ويرفع جزئيا بالتخفيف في شروطه ، وحتى أركانه أحيانا ، كالوقوف
في الصلاة ، وحضور الجمعة والجماعة ... إلخ .
وحينئذ ؛ فهذه قاعدة فهمت من مجموعة كبرى من الفروع ، وتنطبق على جل جزئياتها ، والتي هي جل أحكام الشريعة الغراء .
فجميع
الشريعة حنيفية سمحة ، حنيفية في التوحيد ، لأن مبناها على عبادة الله
وحده لا شريك له ، ولسنا مطالبين في التعمق في المسائل العقيدية ، وشدة
التعمق في مسائل الغيب ، إنما نؤمن بكلام الله على مراد الله .
سمحة في الأحكام والأعمال ، فالصلوات المفروضات خمس في اليوم والليلة ، لا تستغرق من الوقت إلا جزءا يسيرا .
والزكاة لا تجب إلا في الأموال المتمولة إذا بلغت نصابا ، وهي جزء يسير في العام مرة .
وكذلك صيام شهر رمضان شهر واحد في جميع العام ، والحج لا يجب إلا مرة في العمر على المستطيع .
وبقية الواجبات عوارض بحسب أسبابها، وكلها في غاية اليسر والسهولة .
ثم
إنه مع هذه السهولة في الأحكام ، إذا عرض للعبد بعض الأعذار التي تعجزه أو
تشق عليه مشقة شديدة ؛ خفف عنه تخفيفا يناسب الحال ، فيصلي المريض الفريضة
قائما ، فإن عجز قاعدا أو نائما ويوميء بالركوع والسجود ، ويصلي بطهارة
الماء ، فإن شق عليه صلى بالتيمم ، وإن كان مسافرا جمع بين الظهرين
والعشاءين ...إلخ .
أدلتها كثيرة جدا من الكتاب والسنة .
قال الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } .
وقوله تعالى : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } .
وقال عليه الصلاة والسلام : " انما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين " متفق عليه
وقال عليه الصلاة والسلام : " بعثت بالحنيفية السمحة " صحيح ـ السلسلة الصحيحة
القاعدة الرابعة من القواعد الكبرى
" الضرر يزال " أو " لا ضرر ولا ضرار "
أصلها قوله صلى الله عليه وسلم :
" لا ضرر ولا ضرار "
أخرجه مالك في الموطأ عن عمرو بن يحيى عن أبيه مرسلا وأخرجه الحاكم في المستدرك والبيهقي والدارقطني
ومن حديث أبي سعيد الخدري وأخرجه ابن ماجه من حديث ابن عباس وعبادة بن الصامت .
وصححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة .
معنى قاعدة " لا ضرر ولا ضرار " :
في اللغة
:
لا : نافية والضرر لغة : يطلق على معان كثيرة منها : الهزال وسوء الحال
والقطح والشدة وما كان ضد النفع والنقص في الشئ والنقص في الاموال والانفس
والمعناني الثلاثة الاخيرة اقرب الى المعنى المراد هنا .
والضرار :
قيل بمعنى الضرر فيكون للتاكيد والراجح : المغايرة بين اللفظين لان التاسيس
أي ان تضر من اضر بك والضرار على وجه غير جائز .
اما في الاصطلاح : عرف الضرر بتعريفات منها باعتبار سبب حدوثه :
" الاخلال بمصلحة مشروعة للنفس او الغير تعديا او تعسفا او اهمالا " .
وهدا تعريف للضرر باعتبار محله :
" كل نقص يلحق الشخص سواء اكان في مال متقوم محترم او جسم معصوم او عرض مصون "
فيكون معنى القاعدة اجمالا :
" ان الحاق المفسدة بالغير على وجه غير مشروع محرم مطلقا سوء اكان دلك على جهة الابتداء او جهة المقابلة " .
اعلم أن هذه القاعدة ينبني عليها كثير من أبواب الفقه من ذلك :
الرد بالعيب ، وجميع أنواع الخيار : من اختلاف الوصف المشروط ، والتعزير ، وإفلاس المشتري ، وغير ذلك
والحجر
بأنواعه ، والشفعة ، لأنها شرعت لدفع ضرر القسمة . والقصاص ، والحدود ،
والكفارات ، وضمان المتلف ، والقسمة ، ونصب الأئمة ، والقضاة ، ودفع الصائل
، وقتال المشركين ، والبغاة ، وفسخ النكاح بالعيوب ، أو الإعسار ، أو غير
ذلك
وهي مع القاعدة التي قبلها متحدة ، أو متداخلة .
القاعدة الخامسة من القواعد الكبرى
" العادة محكّمة "
أول من ذكر هذه القاعدة بهذه الصيغة هو السيوطي
وأن كثير من مسائل الفقه يرجع لها وهي ( العرف ) ويقصدون بها العادة
وموضوع
هذه القاعدة يعتبر موضوعا غضا طريا يستجيب لحل كثير من المسائل والحوادث
الجديدة , ذلك لأنه يتضمن كثير من المسائل التي تتمتع بسعة ومرونة بجانب
كونها محيطة بكثير من الفروع والمسائل
فمن أمعن النظر في هذه
القاعدة , ولم ينكر " تغير الأحكام المبنية على الأعراف والمصالح بتغير
الزمان " أدرك سعة آفاق الفقه الإسلامي وكفاءته الفاعلة الكاملة لتقديم
الحلول الناجحة للمسائل والمشاكل المستحدثة
وصلاحيته لمسايرة ركب الحياة
ومناسبته لجميع الأزمنة والأمكنة , وذلك بأن الإسلام دين صالح لكل زمان
ومكان لكنه ليس خاضع لكل زمان ومكان .
يقول ابن عابدين في رسائلهل :
والعرف في الشرع له اعتبار لذا عليه الحكم يدار
ويقول أيضا رحمه الله تعالى :
وأعلم
أن اعتبار العرف والعادة رجع إليه في مسائل كثيرة حتى جعلوا ذلك أصلا
فقالوا في الأصول في باب ما تترك به الحقيقة " تترك الحقيقة بدلالة
الاستعمال والعادة " .
في شرح الأشباه للبيري قال : " الثابت بالعرف ثابت بدليل شرعي " .
وفي المبسوط للسرخسي قال : " الثابت بالعرف كالثابت بالنص " .
ونبه
بعضهم إلى أهميتها بقوله : " من مهمات القواعد اعتبار العادة والرجوع
إليها وكل ما شهدت به العادة قضي به وما يعاف في العادات يكره في العبادات "
.
ومن أدلة القاعدة :
وقد أمرنا الله بذلك في أكثر من آية فمن ذلك قوله تعالى : { وعاشروهن بالمعروف }
فرد
سبحانه معاشرة الزوج لزوجه إلى العرف ويدخل تحت ذلك النفقة عليها وكسوتها
والإتيان لها بخادم ونحو ذلك ، كل ذلك يدخل تحت كلمة ( المعروف ) .
ومن ذلك قوله تعالى : { وأمر بالعرف }
فسرها بعض العلماء بذلك
ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - : " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " .
إذا عرفت هذا فاعلم أن هذا الحكم المبني على التحديد العرفي يختلف باختلاف الأعراف ولا يعد هذا من تغيير الشريعة أو تحريفها البتة .
والعرف لا بد له من شروط حتى نعمله، وشروط العرف أربعة شروط :
أولها :
إن
يكون العرف مطردًا غالبًا بحيث لا يكون مضطربًا ؛ لأنه إذا كان مضطربًا
غير غالب ، فلا يقال له عرف ، وهذا ما يعبرون عنه بقولهم : " العبرة للغالب
الشائع دون النادر " .
والشرط الثاني :
أن يكون العرف غير مخالف
للشريعة ، فالمخالف للشريعة لا عبرة به ، ومقال ذلك : ما لو كان في العرف
بناء البيوت على شكل مفتوح ، بحيث لا يستتر النساء في البيوت ، فإن هذا
العرف مخالف للشريعة ، ومن ثم لا يلتف إليه ، ولا تقيد به العقود .
الشرط الثالث :
أن
يكون العرف سابقا غير لاحق ، ومن هنا فإننا نعمل بالعرف السابق المقارب
دون العرف اللاحق ، ومثال ذلك : لو اشترى إنسان من غيره بستين دينارا قبل
مائة سنة ، فإننا لا نحكم على ذلك بالدنانير الموجودة بيننا الآن بل بما
يسمى دينارا في ذلك الزمان ، كان الدنانير في ذلك الزمان من ذهب ، والآن من
ورق فيعمل بحكم العرف السابق .
والشرط الرابع :
ألا يوجد تصريح
يخالف العرف ، فإذا وجد تصريح يخالف العرف فالعبرة بالتصريح لا بالعرف ،
ومن أمثلة ذلك : أنه إذا وضع الطعام أمام الإنسان ، فإنه في العرف يجوز
الأكل من ذلك الطعام ؛ لأن هذا يعتبر إذنًا في العرف ، ولكن لو وضع الطعام ،
ثم قيل لا تأكل من هذا الطعام ، فهنا وجدت في مقابلة العرف قرينة تدل على
أن ما تعارف عليه الناس ليس مرادًا .
ومن أمثلته أيضًا : لو كان
العرف أن الإجارة يسلم نصف إجارة البيت في أول السنة ، والنصف الآخر في وسط
السنة فاتفق المستأجر والمؤجر على تسليم الدفعة الأولى في وسط السنة ،
فهنا العرف لا يعمل به ؛ لأنه وجد تصريح يخالف العرف .
وقد عبر الفقهاء
عن هذه القاعدة ، قاعدة إعمال العرف بعدد من الألفاظ : منها قولهم : "
العادة محكمة " منها قولهم : " الحقيقة تتدرك بدلالة العادة " ومنها قولهم :
" المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا " ومنها قولهم : " المعروف بين التجار
كالمشروط بينهم " .
القواعد الفقهية الكلية غير الكبرى
" اعمال الكلام اولى من اهماله "
والذي يظهر أن هذه القاعدة تقرب من القواعد الكبرى ، لما يأتي :
1- أن هذه القاعدة محل اتفاق بين العلماء في الجملة ، ويظهر هذا من خلال تفريعاتهم عليها ، وتعليلاتهم بها .
2- أن هذه القاعدة تدخل كثيراً غالب أبواب الفقه.
من حيث إنه يجب صونها عن الإهمال و الإلغاء ولذا كانت هذه القاعدة ذات تعلق بالأبحاث القرآنية ، وأبحاث السنة .
وهذا كله يدلنا على أهمية هذه القاعدة ، ومسيس الحاجة إليها .
معنى القاعدة :
أولاً : المعنى الإفرادي : هذه القاعدة مكونة من شقين متقابلين أحدهما أرجح من الآخر :
" إعمال الكلام " والمراد به : حمل الكلام على معنى بحيث يكون له ثمرة .
" إهمال الكلام " والمراد به : حمل الكلام على معنىً من المعاني بحيث لا يكون له ثمرة.
ثانياً : المعنى الإجمالي للقاعدة :
أن الكلام إذا أمكن حمله على معنىً من المعاني بحيث يكون له ثمرة ، كما أنه أمكن حمله على معنىً من المعاني بحيث لا يكون له ثمرة
فإن حمله على المعنى الذي له ثمرة أولى من حمله على المعنى الذي لا ثمرة له .
مثال ذلك :
فلو شخص قال لآخر : وهبتك هذا الشيء ؛ فأخذه المخاطب ، ثم ادعى الواهب ؛ أنه ما أراد بلفظ الهبة الا البيع ، وطلب يمينا .
فإنه لا يُقبل قوله ، لأن الأصل في الكلام الحقيقة ، وحقيقة الهبة تمليك بدون عوض .
الدليل على هذه القاعدة :
هذه القاعدة يمكن أن يُستدل لها بدليل عقلي حاصله :
أن اهمال الكلام يؤدي إلى أن يكون الكلام لغواً لا فائدة فيه ، وكلام العاقل يُصان عن اللغو ما أمكن ذلك
وصون الكلام عن اللغو يحصل بإعمال الكلام واجتناب اهماله .
" إذا تعذرت الحقيقة يُصار إلى المجاز "
معنى القاعدة :
أن الكلام إذا دار بين الحقيقة والمجاز ، ولم يمكن حمله على حقيقته لأي سبب من الأسباب ،
فإنه يُحمل على مجازه ؛ لأن المجاز حينئذٍ يتعين طريقاً لإعمال الكلام واجتناب اهماله .
الفروع المبنية على القاعدة :
الفروع الفقهية المبنية على هذه القاعدة يُمكن ذكرها من خلال ذكر أوجه تعذر الحقيقة :
الوجه الأول : التعذر الحقيقي ، وهذا له صورتان :
الصورة الأولى : أن تكون إرادة المعنى الحقيقي ممتنعة :
ومثالها :
لو وقف شخص شيئاً على أولاده ، ثم لما نظرنا بعد ذلك لم نجد له أولاداً ، ولكن وجدنا له أولاد أولادٍ ، فإن الوقف يكون لهم
لأن لفظ ( الولد ) حقيقة في الولد المباشر ، ومجازٌ في الولد الغير مباشر ؛ لأنه إذا تعذرت الحقيقة يُصار إلى المجاز .
الصورة الثانية : أن تكون إرادة المعنى الحقيقي ممكنة ولكن بمشقة :
ومثالها :
لو
حلف شخصٌ على الأكل من هذه الشجرة ، فإن ذلك حقيقةٌ في الأكل من خشبها
وأوراقها ، وهذا ممكن ولكن بمشقةٍ ، فيُصار إلى المجاز وهو الثمر .
الوجه الثاني : التعذر العرفي :
مثاله :
لو
حلف شخصٌ أن لا يضع قدمه في دار فلان ، فإن ذلك حقيقةٌ في وضع الجزء
المعروف من الجسد فقط، ومجازٌ في الدخول عليه في بيته ، وقد دل العرف على
عدم إرادة هذا المعنى الحقيقي ، فيُحمل على مجازه ، ولا يحنث هذا الشخص إلا
إذا دخل البيت ؛ لأنه إذا تعذرت الحقيقة يُصار إلى المجاز .
الوجه الثالث : التعذر الشرعي :
مثاله :
لو
وكل شخصٌ شخصاً آخر بالخصومة ، فإن الخصومة حقيقةٌ في المنازعة ،والشرع قد
منع من المنازعة ، فيحمل الكلام على مجازه ، ويكون هذا الشخص وكيلاً له في
المرافعة ؛ لأنه إذا تعذرت الحقيقة يُصار إلى المجاز .
" المطلق يُجرى على إطلاقه ما لم يقم دليل التقييد نصاً أو دلالةً "
المعنى الإجمالي للقاعدة :
هذه
القاعدة ترسم لنا منهجاً في إعمال الكلام المطلق والمقيد ، وذلك أنه إذا
وُجد كلامٌ خالٍ من القيود فإنه يُعمل به على إطلاقه ، فإذا قام الدليل على
تقييده ، فإنه يُعمل به مقيداً ، سواءٌ أكان التقييد بطريق اللفظ أم بطريق
الدلالة .
الفروع المبنية على القاعدة :
الحالة الأولى :
إجراء المطلق على إطلاقه :
مثاله :
لو وكل شخصٌ شخصاً آخر في أن يشتري له سيارةٌ بقوله اشتر لي سيارة ، فاشترى له الموكل سيارةً بيضاء .
فقال الموكل : أردت سيارة حمراء ، فإنه لا يُقبل كلامه هنا ، لأن توكيله مطلق والمطلق يُجرى على إطلاقه .
الحالة الثانية :
تقييد المطلق نصاً :
مثاله :
لو وكل شخصٌ شخصاً آخر بقوله : اشتر لي سيارة سوداء.
الحالة الثالثة :
تقييد المطلق دلالة :
مثاله :
1-
لو كان هناك شخصٌ يعمل في حمل ا لأمتعة ، فوكل صديقاً له في أن يشتري له
سيارة فاشترى له الوكيل سيارةً صغيرة لا تصلح لحمل الأمتعة ، فإنه لا يلزم
الموكل قبول السيارة ؛ لأنه قد قام دليل التقييد دلالة ، المتمثل في حالة
الموكل ، فلا يكون الكلام مطلقاً
بمعنى : أنه لا يجوز للوكيل شراء السيارة من أي نوع يختاره الوكيل ، يجب أن تكون على مراد الموكل .
2-
لو وكل طالب علم شرعي صديقه في أن يشتري له بعض الكتب ، فاشترى له الوكيل
كتباً في الطب أو في الهندسة ، فإنه لا يلزم الموكل قبول هذه الكتب ؛ لأنه
قد قام دليل التقييد دلالة .
علاقة هذه القاعدة بالقاعدة الكبرى :
هذه
القاعدة ترسم لنا منهجاً من مناهج إعمال الكلام ، وذلك أن الكلام إذا كان
مطلقاّ فإنه يُعمل به على الإطلاق ، وإذا كان مقيداً فإنه يُعمل به على
التقييد
" التأسيس أولى من التأكيد "
الأصل في الكلام التأسيس دون التوكيد
ومعنى التأسيس :
أن الثانية لها معنى مستقل .
ومعنى التوكيد :
أن الثانية بمعنى الأولى .
وللعلماء رحمهم الله في هذه المسألة رأيان
يقول أولهما :
ان الجملتين بمعنى واحد ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :
" إِنَّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ " وأكد ذلك بقوله : " وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى " .
والرأي الثاني يقول :
إن الثانية غير الأولى ، فالكلام من باب التأسيس لامن باب التوكيد .
والقاعدة :
أنه
إذا دار الأمر بين كون الكلام تأسيساً أو توكيداً فإننا نجعله تأسيساً ،
وأن نجعل الثاني غير الأول ، لأنك لو جعلت الثاني هو الأول صار في ذلك
تكرار يحتاج إلى أن نعرف السبب .
التأسيس يعني المغايرة ، فجملة " إنما الأعمال بالنيات " غير " وإنما لكل امرئ ما نوى "
فالأصل في العطف أنه للتأسيس ، ولا يأتي للتأكيد إلا لقرينة .
فمثال العطف الذي للتأسيس :
قوله تعالى :
{ أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة } فالصلاة غير الرحمة .
ومثال العطف الذي للتأكيد :
قوله تعالى :
{
من كان عدوًا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال .. } فجبريل وميكال عليهما
السلام من الملائكة ، ولكن العطف هنا للتأكيد على أهميتهما .
" إذا تعذر الأصل يُصار إلى البدل "
الشرح :
هذه
القاعدة كغيرها من القواعد تكون مفرقة في كثير من الأبواب ، لأنها قاعدة
عامة ، ويكون دليل القاعدة في بابٍ متفقٌ عليه صحيح ، وتكون في باب آخر في
موضع خلاف .
فهذه المسائل التي تكون في عدة أبواب من أبواب الفقه
وتندرج تحت هذه القاعدة ، فتكون بعض هذه المسائل متفق عليها من جهة صحتها
وثبوتها ، وبعض فروعها لا يكون متفق عليه .
مثال للقاعدة في باب الطهارة :
في قوله تعالى : { فلم تجدوا ماءً فتيمّموا صعيداً طيباً } .
فالماء هو الأصل ، فإذا تعذر استخدامه يُصار إلى البدل وهو التيمم
وفي قول أبي ذر رضي الله عنه :
[ الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين ]
وهذا الأصل متفق عليه أن التيمم بدلٌ عن الماء عند فقده.
مثال للقاعدة في باب الصلاة :
قوله عليه الصلاة والسلام لعمران بن حصين رضي الله عنه : " صلِ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً "
فالأصل هو القيام ، فإذا تعذر فإن المرء يصلي جالساً .
أمثلة للقاعدة ولكن مُختلف فيها :
لو
أن إنساناً اقترض من آخر شيئاً كملابسَ أو طعامٍ ، فالواجب أن يرد المثل ،
فإن لم يجد المثل فاختُلف في البدل ، واختُلف أيضاً في الأشياء التي لها
بدل ، وما هو المثلي .
كذلك لو غصب إنسانٌ شيئاً من آخر ككتابه أو
سيارته ، فالواجب أن يرد عين المغصوب ، ولكن إن تعذر فيجب أن يرد بدله ،
واختُلف في تقدير البدل وتقدير قيمته .
فوائد:
1- من صلى قاعداً لعذر ، أو يستطيع القيام لكن مع المشقة ، فيصلي جالساً وأجره تامٌّ بإذن الله .
2- من استعار شيئاً فتلفت بتفريطٍ منه فإنه يأثم وعليه التوبة ويرد مثل الشيء التالف .
" التصرف في امور الرعية منوط بالمصلحة "
ومعناها :
أن
مقتضى الولاية على الرعية خاصة كانت أو عامة تكون منوطة ومرتبطة بالمصلحة
الدينية والدنيوية , فيقدر ويحكم الوالي بما يقتضي المصلحة لرعيته .
ضابط المصلحة :
المصلحة التي أتحدث عنها هنا ليست المصلحة التي تخطر على بال أحدكم بأنها فعل الشخص ما يقتضي أو منفعته الخاصة .
المصلحة
المراد بها هنا المصلحة الشرعية التي لا تخرج عن أطار الشرع سواء الولاية
كانت خاصة أو عامة , فالوالي والحاكم والراعي يحكم ويأمر بهذه المصلحة التي
لا تعارض آمراً أمر به الشارع , فلا يحلل حرام ولا يحرم حلال من أجل إجراء
المصلحة .. ؟
فيجب تقدير الراعي لهذه المصلحة , ويتقي الله في أوامره واتخاذه لهذه الأمور المنوطة بالمصلحة .
المصلحة العامة :
المصلحة العامة كولاية الوالي على رعيته :
مثل وجود ملك وشعب , فالملك والي على شعبه راعي لهم .
المصلحة الخاصة :
المصلحة الخاصة كولاية رب المنزل على بيته فهو الأمر والناهي والراعي عليهم وعلى أمورهم وشؤونهم .
ومن الأدلة على هذه القاعدة :
1- من الكتاب قول تعالى :
{ ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن }
[الأنعام : 152]
ووجه
الدلالة من هذه الآية الكريمة أن الله تعالى قد أباح لولي اليتيم التصرف
في ماله بما تقتضيه المصلحة من نماء وإصلاح للمال , وهذا يقتضي للوالي لمن
تحته أن يتصرف في ما يخصهم بالمصلحة .
2- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" ما من أمير يلي أمور المسلمين ثم لم يجهد لهم وينصح لهم كنصحه وجهده لنفسه إلا لم يدخل الجنة "
أخرجه البخاري
ووجه الدلالة من الحديث الكريم أنه يجب على الراعي راعية مصالح الرعية .
3- وإما من العقل :
الوالي ناظر والنظر يقتضي أن يكون مبنيا على المصلحة فإذا كان تصرفه ضرار أو عبثا فكلاهما ليس من النظر في شيء ؟
فلا يلتفت لهذا التصرف في هذه الحال بلى يلغى لعد الفائدة فيه .
أمثلة على القاعدة :
1-
أن مصلحة الرعية تقتضي أن يساوي بينهم السلطان في العطاء ولا يفاضل بينهم
إلا بحسب نفعهم للدين وأهل الإسلام ولا يجوز أن يفاضل فيما عدا ذلك لأنه لا
مصلحة فيه .
2- أن مصلحة المرأة التي لا ولي لها أن يلي أمرها
القاضي وعليه أن يتصرف في تزويجها بما تقتضيه المصلحة فيزوجها من الكفء ولا
يجوز له أن يزوجها من رجل غير كفء لأنه لا مصلحة في ذلك .
" المرء مؤاخذ بإقراره "
معنى القاعدة :
المرء العاقل كامل الاهلية مؤاخذ بما يقر به ، وإذا أنكر بعد ذلك فلا عبرة لإنكاره ، ومن معانيها أيضاً قاعدة
" لا عذر لمن اقر "
الإقرار بالأشياء إما أن يكون :
1- حق خالص للعبد مثل إنشاء العقود والإقرار بالديون
فهذا النوع يلزم من أقر به وهو محل اتفاق بين أهل العلم
لأنه لو قيل لا يؤاخذ بذلك لبطلت معاملات الناس وعقودهم
والله تعالى يقول : { أوفوا بالعقود }
ويقول تعالى : { وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولاً }
والإقرار عقدٌ من العقود الواجب الوفاء بها بالإجماع .
2- حق خالص لله تعالى مثل حد الزنا وشرب الخمر والقطع في السرقة
فلو أقر بها يلزمه إقراره ويؤاخذ به ، لكن لو رجع يدرأ عنه الحد لان الحدود تدرأ بالشبهات وحق الله تعالى مبني على المسامحة .
3- حق لله وحق للعبد ، وهذا النوع اختلف العلماء فيه وذكروا منه باب حد القذف
" الجواز الشرعي ينافي الضمان "
التوضيح :
إن كل ما جاز للإنسان أن يفعله شرعاً ، فإذا ترتب على فعله ضرر أو خسائر ، لا يضمن للمنافاة بين الجواز الشرعي والضمان .
وإن الجواز الشرعي يفيد كون الأمر مباحاً ، سواء أكان فعلاً أو تركاً ، فلا ضمان بسبب التلف الحاصل بذلك الأمر .
ولكن يشترط ألا يكون ذلك الأمر الجائز مقيداً بشرط السلامة .
وألا
يكون عبارة عن إتلاف مال الغير لأجل نفسه ، لأن الضمان يستدعي سبق التعدي ،
والجواز الشرعي باب وجوده فتنافيا ، فالجواز الشرعي إذا كان مطلقاً فإنه
ينافي الضمان ، وإلا فلا مانع من الضمان .
مثال ذلك :
من حفر بئرا في أرضه فوقع فيها انسان أو حيوان فالحافر هنا غير ضامن
لأنه مأذون له ، ولأنه غير متعد .
لكن لو حفر في الطريق حفرة فوقع فيها انسان أو حيوان ، فهو ضامن
لأنه غير مأذون له فيه .
" اليد الأمينة لا تضمن الا بالتعدي أو التفريط "
الشرح :
كل من بيده مال برضا صاحبه أو ولايته عليه ، فهو أمين عليه .
سواء كان للأمين فيما تحت يده حظ نفس أو لا .
ويدخل في الأمين :
الأجير ، والمرتهن ، والشريك ، والمضارب ، والوديع ، والوالي ، والوصي ، والوكيل ، والناظر ،ونحوهم .
سواء كانوا بعملهم مُستأجرين أو متبرعين
فكل هؤلاء لا يضمنون ما تلف بأيديهم الا بإحدى حالتين :
الأولى : التعدي : وهو فعل ما لا يجوز .
الثانية : التفريط : وهو ترك ما يجب .
وإن ادعوا تلف بأيديهم أو ادعوا عدم التعدي أو التفريط فيه ، فالقول قولهم
وأما ان ادعوا ردها على صاحبها ، فإن كانوا قبضوا العين لحظ أنفسهم ، فإنه لا يُقبل منهم دعوى للرد الا ببينة .
وإن كانوا قبضوها لحظ صاحبها فقط ، فالقول قولهم في الرد أيضا
وكل من قلنا : " القول قوله " فلا بد من أمرين :
الأول : أن لا يخالف قوله عادة وعرفا .
الثاني : وإن عليه اليمين بطلب صاحبها .
أما من كانت العين بيده بغير رضا صاحبها فالغاصب ومن في حكمه ، فإنه ضامن على كل حال
سواء حصل التلف بتعد أو تفريط أو لا ، لأن يده ظالمة متعدية ، فتضمن العين بمنافعها التالفة تحت يده
ويضمن النقص الحاصل عنده .