الفرق بين الخوف والخشية(من الله)
ذكر ابن القيم رحمه الله في الجزء الأول من مدارج السالكين صفحة (502)
شرحاً لمنزلة الخوف، وكلام المصنف رحمه الله مأخوذ من كلام ابن القيم حيث
ذكر آية وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ [البقرة:40] وآية: فَلا تَخْشَوُا
النَّاسَ وَاخْشَوْن [المائدة:44] وذكر أن الله مدح أهل الخوف.
ثم ذكر الآيات من سورة المؤمنون، والحديث الذي ذكرناه آنفاً، ثم أتى رحمه
الله بكلام نفيس في بيان الفرق بين هذه الألفاظ، مثل: الرهبة والوجل
والخشية والخوف والإشفاق، والتفريق بينها من دقائق العلم التي لا يتفطن
إليها إلا من وفقه الله، كما كان حال ابن القيم رحمه الله فيقول: 'الوجل
والخوف والخشية والرهبة ألفاظ متقاربة غير مترادفة ' قال: 'قيل: إن الخوف
هرب القلب من حلول المكروه عند استشعاره، وقيل اضطراب القلب وحركته من تذكر
المخوف' .
وحقيقة الخوف واضحة، وإيضاح الواضح من المشكلات، فالخوف معروف، لكن نأخذ ما
بعده ليتضح الفرق، ويقول رحمه الله: 'الخشية أخص من الخوف؛ فإن الخشية
للعلماء بالله' وأخذ هذا من قول الله تعالى : إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ
مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] فالعلماء هم الذين يخشون الله؛ لأن
الناس في هذا أنواع:
فالنوع الأول: العالم بالله، والعالم بدين الله، فهم من يخشى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
النوع الثاني: عالم بالله غير عالم بدين الله، وهذا الذي وقع فيه كثير من
العباد، فهو لديه حقائق الإيمان واليقين والإخلاص والرجاء والرغبة والخوف؛
ولكنه غير عالم بدين الله، فلا يعرف الحلال من الحرام، وربما وقع في البدعة
فخرج عن طريق الإيمان والعلم، ولم يعد عالماً بالله.
النوع الثالث: من ليس عالماً بالله ولا عالماً بدين الله، وهذا حال أكثر الخلق، نسأل الله العفو والعافية.
يقول ابن القيم : ' فهي -أي: الخشية- خوف مقرون بمعرفة، وقال النبي صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إني أتقاكم لله، وأشدكم له خشية ' وفي رواية
أخرى: إني لأعلمكم بالله، وأشدكم له خشية } فالخشية مقترنة بالعلم، ففيها
زيادة العلم والمعرفة بالمعبود سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وبيَّن ابن القيم
الفرق بينهما فقال: 'فالخوف حركة، والخشية انجماع وانقباض، فإن الذي يرى
العدو والسيل ونحو ذلك له حالتان:
إحداهما: حركة للهرب منه وهي حالة الخوف.
والثانية: سكونه وقراره في مكان لا يصل إليه فيه وهي: الخشية... ثم قال:
وأما الرهبة فهي الإمعان في الهرب من المكروه -فالرهبة خوف؛ ولكن فيها
زيادة إمعان في الهرب من المخوف منه وهي ضد الرغبة التي هي سفر القلب في
طلب المرغوب فيه' فالرغبة زيادة عن مجرد المحبة، فالمحبة بلا رغبة لا يقترن
بها الحرص والطلب، وأما الرغبة فيقترن بها العمل والحرص وطلب هذا المحبوب
المراد، ثم يقول رحمه الله: 'وبين الرهب والهرب تناسب في اللفظ والمعنى'.
وهذه عادة لغة القرآن واللغة العربية.