قصة أصحاب الفيل
الشيخ سلطان العيد حفظه الله ــ تعالى ــ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)) ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)) .. أما بعد :
فيقول الله سبحانه وتعالى: ((وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً)) .
لقد شرَّف الله هذا البيت العتيق فأضافه إلى نفسه حيث قال: ((فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ))، في صحيح البخاري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج زمن الحديبية سار حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته فقال الناس: حَلْ حَلْ، فقالوا: خلأت القصواء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل) .
إن هذه إشارة من النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحادثة العظيمة قصة أصحاب الفيل، وهي المذكورة في قوله تعالى: ((أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ)) .
قال الحافظ ابن كثير: "هذه من النعم التي امتن الله بها على قريش، فيما صرف عنهم من أصحاب الفيل الذين كانوا قد عزموا على هدم الكعبة ومحو آثرها من الوجود، فأبادهم الله وأرغم آنافهم وخيب سعيهم وأضل عملهم، وَرَدهم بشر خيبة، وكانوا قوما نصارى، وكان دينهم إذ ذاك أقرب حالا مما كان عليه قريش من عبادة الأوثان، ولكن كان هذا من باب الإرهاص والتوطئة لمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه في ذلك العام ولد على أشهر الأقوال".
** وخلاصة قصة أصحاب الفيل على ما ذكره علماء السيرة والتفسير كابن إسحاق وابن كثير وغيرهما ما يلي :
أنه كان ذو نواس آخر ملوك اليمن مشركا، وهو الذي قتل أصحاب الأخدود، وكانوا نصارى قريبا من عشرين ألفا، فنجا منهم دوس ذو ثعلبان، فذهب فاستغاث بقيصر ملك الروم وكان نصرانياً، وكتب هرقل إلى النجاشي ملك الحبشة يوصيه بنصرة دوس ذي ثعلبان لكونه أقرب إلى اليمن، فبعث معه النجاشي أميرين، أرياط وأبرهة في جيش كثير، فدخلوا اليمن فجاسوا خلال الديار، واستلفوا الملك من حمير، وهلك الملك ذو نواس غريقا في البحر، ثم استقل الحبشة بملك اليمن وعليهم هذان الأميران أرياط وأبرهة فاختلفا وتقاتلا وتصافا بجيشهما فقال أبرهة لأرياط: لم نهلك الحبشة؟ ابرز إليّ وأبرزُ إليك، فأينا قتل الآخر استقل بالملك بعده فأجابه أرياط، فتبارزا وخلف كل واحد منهما فتاه، فحمل أرياط على أبرهة وضربه بالسيف فشرم أنفه وشق وجهه ثم حمل غلام أبرهة على أرياط فقتله فرجع أبرهة جريحا فداوى جرحه، ففرح واستقل بملك اليمن، وكتب إليه النجاشي يلومه على قتل أرياط كبير رجال النجاشي باليمن ويتوعده وحلف النجاشي ليطأن بلاد اليمن وليجزن ناصية أبرهة فبادر أبرهة وأرسل إليه يصانعه ويعتذر إليه وبعث مع رسوله بهدايا وتحف وبجراب فيه من تراب اليمن وجز ناصيته وأرسلها ويقول في كتابه: ليطأ الملك على هذا التراب فيبر قسمه، وهذه ناصيتي قد بعثت بها إليك وأنا عبد الملك، فلما وصل ذلك إليه أعجبه ورضي عنه وأقره، ثم إن أبرهة رأى الناس يتجهزون أيام الموسم للحج إلى بيت الله الحرام، فسأل: أين يذهب الناس؟ فقيل له: يحجون إلى بيت الله بمكة، قال: ما هو؟ قالوا: من حجارة؟ قال: لأبنين لكم خيرا منه، فبنى لهم كنيسة هائلة بصنعاء، رفيعة البناء مزخرفة الأرجاء، فسمتها العرب القُليس؛ لأن الناظر إليها يكاد تسقط قَلنسوته عن رأسه لارتفاع بنائها، ثم كتب إلى النجاشي: إني قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يُبن مثلها لملك قبلك، ولست منتهٍ حتى أصرف حج العرب إليها، فلما تحدثت العرب بكتاب أبرهة إلى النجاشي، غضب رجل من النسأة أحد بني فقيم، فخرج إلى القليس فقعد فيها يعني: أحدث، ثم خرج فلحق بأرضه، وذكر ابن سعد أن نفيل بن حبيب الخثعمي أمهل حتى إذا كان ليلة من الليالي، لم ير أحدا يتحرك فقام فجاء بعَذِرَة فلطخ بها في قبلة وجمع جِيَفا فألقاها فيها، وقال مقاتل رحمه الله: إن فتية من قريش دخلوا فأطلقوا نارا في القليس، وكان يوما فيه هواء شديد فاحترقت الكنيسة، فأخبر بذلك أبرهة فقال: من صنع هذا؟ فقيل: صنعه رجال من أهل هذا البيت الذي يحجه العرب، فغضب غضبا شديدا وحلف ليسيرن حتى يهدم الكعبة وينقضها حجرا حجرا، ثم سار نحو أرض مكة في ستين ألفا، فلما سمعت العرب ذلك أعظموه، ورأوا جهاده حقا عليهم حين سمعوا أنه يريد هدم بيت الله الحرام، فخرج له ذو نفر وقومه فهزمهم أبرهة وأسر ذو نفر، فلما أراد أبرهة قتله قال: أيها الملك لا تقتلني، فإنه عسى أن يكون بقائي معك خيرا لك من القتل، فتركه وحبسه عنده في وثاق، ثم سار أبرهة حتى كان بأرض خثعم، عرض له نفيل بن حبيب الخثعمي في قومه ومن أطاعه من قبائل العرب فقاتله، فهزمه أبرهة، وأسر نفيل بن حبيب فلما هم أبرهة بقتله قال له نفيل: أيها الملك لا تقتلني، فإني دليلك بأرض العرب، فخلى سبيله، ثم سار أبرهة يريد مكة، حتى مر على الطائف فخرج إليه مسعود بن معتب في رجال من ثقيف، فقالوا: أيها الملك إنما نحن عبيدك، سامعون لك مطيعون، وليس لك عندنا خلاف، وليس بيتنا البيت الذي تريد يعنون اللات وهو بيت الطائف كانوا يعظمونه، قالوا: ونحن نبعث معك من يدلك على البيت الذي بمكة، فبعثوا معه أبا رِغال يدله على الطريق إلى مكة، فخرج أبرهة ومعه أبو رغال حتى أنزله بالمُغَمّس، فلما أنزله به مات أبو رغال، فرجمت العرب قبره، فهو القبر الذي يرجم الناس بالمغمس، فلما نزل أبرهة بالمغمس بعث رجلا من الحبشة يقال له الأسود بن مقصود على خيل له، حتى انتهى إلى مكة فساق أموال تهامة من قريش وغيرها، وأصاب فيها مائتي بعير لعبدالمطلب بن هاشم، وهو يومئذ كبير قريش وسيدها، فهمت قريش وكنانة وهُذيل ومن كان بذلك الحرم بقتال أبرهة، ثم عرفوا أنه لا طاقة لهم بحربه، ثم بعث أبرهة إلى عبدالمطلب يقول: إني لم آت لحربكم، إنما جئت لهدم هذا البيت، فإن لم تعرضوا دونه بحرب فلا حاجة لي بدمائكم، فقال عبدالمطلب: والله ما نريد حربه وما لنا بذلك طاقة، هذا بيت الله الحرام وبيت خليله إبراهيم عليه السلام، فإن يمنعه فهو بيته وحرمه، وإن يخل بينه وبينه فوالله ما عندنا دفع عنه، فقال الرسول: فانطلق معي إلى أبرهة، فإنه قد أمرني أن آتيه بك، فخرج معه عبدالمطلب، وكان عبدالمطلب أوسم الناس وأجملهم وأعظمهم، فلما رآه أبرهة أجله وأكرمه عن أن يجلسه تحته، وكره أن تراه العرب يجلسه معه على سريره، فجلس على بساطه وأجلس عبدالمطلب معه إلى جنبه، ثم قال أبرهة لترجمانه: قل له ما حاجتك؟ فقال عبدالمطلب: حاجتي أن يرد علي الملك مائتي بعير أصابها لي، فلما قال ذلك قال أبرهة لترجمانه: قل له: قد كنت أعجبتني حين رأيتك، ثم زهدت فيك حين كلمتني في مائتي بعير أصبتها لك، وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك جئت لهدمه لا تكلمني فيه؟! فقال عبدالمطلب: أنا رب الإبل وإن للبيت ربا سيمنعه، قال أبرهة: ما كان ليمتنع مني، فقال عبدالمطلب: أنت وذاك، ثم انصرف عبدالمطلب إلى قريش فأخبرهم الخبر، وأمرهم بالخروج من مكة والتحرز في شَعَب الجبال خوفا عليهم من معرة الجيش، وعند البيهقي أن عبدالمطلب قام يدعو على الحبشة فقال:
يا رب لا أرجو لهم سواكا ** يا رب فامنع منهمُ حماكا
امنعهموا أن يخربوا قراكا ** إن عدوّ البيت من عاداكا
وعنده أيضا أنه أخذ بعضادتي باب الكعبة وقال:
لا هُمّ إن العبد يمنع ** رحله فامنع حلالك
إن كنت تاركهم وكعْ ** بتنا فأمر ما بدا لك
ثم أجمع أبرهة على التوجه إلى الكعبة لهدمها، فلما وجهوا الفيل نحوها برك فضربوه ليقوم فأبى، فوجهوه قبل اليمن فقام يهرول، فوجهوه قبل الشام ففعل مثل ذلك، ووجهوه نحو المشرق ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى جهة مكة فبرك وألقى جرانه إلى الأرض وجعل يعج عج، ثم جاءهم العذاب من الجبار جل جلاله، أرسل الله عليهم طيرا أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل، وانتقم الله منهم ودافع عن بيته الحرام، ((فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ)) قال الله جل وعلا: ((أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ)).
قال نفيل بن حبيب في ذلك:
أين المفر والإله الغالب ** والأشرم المغلوب ليس الغالب
فهذه الحادثة أثبتها الله عز وجل في كتابه، وأشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم بأصح كتب السنة البخاري ومسلم، وأتت تفاصيلها في كتب السير والتاريخ، فذكرها علماء التفسير في تفاسيرهم، في البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج زمن الحديبية سار حتى إذا كان بالثنية التي يُهبط عليهم منها، بركت به راحلته، فقال الناس: حلْ حلْ فألحت، فقالوا: خلأت القصواء –أي: ساء خلقها- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل ) وفي البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح الله له مكة قام في الناس وحمد الله وأثنى عليه وقال: (إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين) وعن عبدالله بن الزبير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنما سمى الله البيت العتيق، لأن الله تعالى أعتقه من الجبابرة فلم يظهر عليه جبار قط) رواه البيهقي في الدلائل، ورواه أيضا الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه الحاكم وقال: حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، ورد عن عائشة رضي الله عنها ما يدل على قرب حادثة أصحاب الفيل من عهد النبوة قالت رضي الله عنها: "لقد رأيت قائد الفيل وسائقه أعميين مقعدين يسترحمان الناس بمكة" رواه ابن هشام والبيهقي في الدلائل.
** لقد سمعنا قصة أصحاب الفيل، وفيها فوائد عديدة منها:
أولاً : في هذه الحادثة بيان شرف بيت الله الحرام، فلم يكن إهلاك أبرهة ومن معه لحرمة سكان مكة آنذاك فإنهم كانوا مشركين، بل كان لحرمة بيت الله الحرام، عن أبي شريح العدوي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الغد من يوم الفتح فقال: (إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرىء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دما، ولا يعضد فيها شجرة، فإن أحد ترخص لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم –يعني: يوم فتح مكة- فقولوا له: إن الله تعالى قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي ساعة من نهار، ثم عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، وليبلغ الشاهد الغائب) خرَّجه الإمام البخاري ومسلم.
ثانياً : فيها بيان عظيم قدرة الله جل وعلا، وكثرة جنوده وتنوعها، قال الله جل وعلا: ((وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ)) وقال الله سبحانه وتعالى: ((فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا)).
وفيها : أن الله سبحانه وتعالى ينتقم ممن أراد بيته ودينه بسوء، قال الله جل وعلا: ((فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)) وقال الله جل وعلا: ((ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)).
ومن الفوائد : التحذير من انتهاك حرمات الله عز وجل، قال الله سبحانه وتعالى في تعظيم المعصية في بلده الحرام: ((وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ))، فليحذر ساكني البلد الحرام، وقاصدي بيت الله الحرام من المعصية وانتهاك حرمات الله في ذلك البلد، فإنه بلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض.
** وهذه الحادثة العظيمة هي كما ذكر ابن القيم في «زاد المعاد» :
"توطئة لحادثة أعظم منها، وهي بعثة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم"، وهذه الحادثة نعمة من الله ورحمة منه بقريش، وكانت سببا في أمنهم وأمن تجارتهم، وذلك أن العرب لما بلغها ما صنع الله بجيش أبرهة تهيبوا الحرم وأعظموه، وزادت حرمته في النفوس، ودانت لقريش بالطاعة، وقالوا: أهل الله قاتل عنهم وكفاهم كيد عدوهم، وصار أهل مكة أئمة وقادة متبوعين.
ومن فوائد هذه القصة : أن الإقرار بتوحيد الربوبية لا ينفع صاحبه إذا كان مشركا بالله سبحانه وتعالى، فقد كان كفار قريش يقرون بوجود الله عز وجل، وأنه الخالق المدبر لهذا الكون، قال الله جل وعلا: ((وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)) وقال الله جل وعلا: ((وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)) وكانوا إذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين، لكنهم مع إقرارهم بتوحيد الربوبية لم يقروا بتوحيد الألوهية، فكانوا يعبدون الله ويعظمون بيته الحرام، ويعبدون غيره ويعظمون الأصنام التي تعبد من دون الله جل وعلا، فلذلك قاتلهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، واستباح دماءهم ونساءهم، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله).
ومن الفوائد : ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الجواب الصحيح، قال: "وكان ذلك –يعني: أمر أصحاب الفيل- عام مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم" وبه قال ابن إسحاق، قال الحافظ ابن كثير: "وهو المشهور عند الجمهور" وقال إبراهيم بن المنذر شيخ البخاري: "وهو الذي لا يشك فيه أحد من العلماء"، وبلغ خليفة بن خياط وابن دحية وابن الجوزي وابن القيم، فنقلوا فيه الإجماع، ذكر ذلك الشامي في سيرته.
وفي هذه القصة من الفوائد والعبر: أن من أراد بيت الله الحرام وأراد أهله بسوء فإن الله جل وعلا ينتقم منه، كما فعل الله سبحانه وتعالى بأصحاب الفيل، فإنهم لما أرادوا هدم بيت الله الحرام، انتقم الله عز وجل منهم، وإننا لنرى آثار ذلك، وإننا لنرى ذلك في هذه الأحداث الأخيرة، هؤلاء الذين أرادوا بيت الله الحرام بسوء، فجمعوا فيه الأجهزة وجمعوا فيه القنابل والمتفجرات وغيرها، بل وسفكوا دماء جنود المسلمين عند بيت الله الحرام، نرى كيف أن الله جل وعلا انتقم لأهل الإسلام منهم، والعقوبة ليست ممن تعاطف معهم ببعيدة، فنسأل الله جل وعلا أن يحفظ بلادنا من كل سوء، وأن يحفظ بيته الحرام من كل سوء، وأن يرد عنه كيد الكائدين، وحسد الحاسدين.
وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المصدر: موقع الشيخ حفظه الله