أ- المذهب التجريبي: (من اللذة إلى المنفعة) يعد هذا المذهب من أقدم المذاهب الفلسفية إذ تعود جذوره الأولى إلى الفكر اليوناني إذ يذهب ارستيب إلى تأكيد أن اللذة هي مقياس الفعل، بل هي الخير الأعظم، هذا ما يلائم الطبيعة البشرية التي تنجذب بصورة تلقائية وعفوية إزاء ما يحقق لها متعة الحياة وتنفر في المقابل من كل ما يهدد أو يقلل من هذه المتعة هذا هو صوت الطبيعة ، فلا خجل ولا حياء ، أن اللذة المقصودة عنده هي لذة الجسد وأقواها إطلاقا لذة البطن ويلزم على ذلك أن كل القوى تتجه نحو تأكيد وتمجيد هذا المقياس .
لكن اتباع هذا المذهب عدلوا من هذا الطرح لأنه يتضمن صراحة الإساءة إلى حياة إنسانية يقترض فيها التميز عن حياة حيوانية هذا ما يؤكد ابيقور والابيقوريون.الذين ميزوا بين الذات يعقبها الم وأخرى نقية لا يعقبها الم الأولى ليست مقياسا للفعل الاخلاقي هي لذة الفساق كالخمر والنساء، وبينما هي أساسه وانتهى ابيقور Epicure) (341-270 ق م التي تتوافق اكثر مع طبيعة الإنسان هي اللذات الروحية من قبيل الصداقة وتحصيل الحكمة ، وهي لذات تستلزم الاعتدال في السلوك، بينما رفع الرواقيون Les stoicims اللذة إلى مستوى روحي أعلى ومقياس اللذة عندهم كل ما يحقق السعادة، ولا تتحقق السعادة إلا إذا عاش الفرد على وفاق مع الطبيعة .
أما الفلاسفة المحدثون الذين يعد فكرهم امتداد لمذهب اللذة فقد جعلوا من المنفعة أساسا للفعل ويظل الاختلاف بين النفعيين في أي المنافع يصلح مقياسا للفعل فقد حرص جريمي بنتام على وضع مقاييس للمنفعة، كالشدة والدوام واليقين والقرب والخصوبة والصفاء أو النقاء والسعة أو الامتداد ، ومع ذلك لم يخرج بنتام عن الأنانية السائدة في تصوره لمذهب المنفعة فهو يشترط في نقاء اللذة إلا تنطوي على تضحية من جانب الشخص للآخرين وهذا ما رفضه جون استورت مل الذي اثر المنفعة العامة عن المنفعة الخاصة . وهو ما سبقه إليه جون لوك (1704-1632 ) الذي يذهب إلى أن الغاية من الاختلاق اجتماعية.
النقد : يتميز هذا المذهب بنظرية الواقعية آذ لا احد يتصرف ضد مصالحه ومنافعه وهذا ليس أمرا سيئا , لكن السيئ في الموقف هو الاكتفاء باللذة و المنفعة موجها للفعل و إلا ترتب على ذلك تضاربا في القيم نتيجة لتضارب المصالح.
ب- المذهب العقلي: يذهب نيون إجمالا إلى اتخاذ العقل مقياسا للفعل فقد قرن سقراط الفضيلة بالمعرفة, لكن جميع الدارسين يقفون على محاولة كانط التي تعد أهم محاولة لتأسيس الأخلاق لسببين , الأول وضع الأخلاق على محك النقد في محاولة لكشف الشروط القبيلة للفعل الاخلاقي و الثاني إيجاد مقياس يسمح لكل ذي عقل أن يميز بين الفعل الاخلاقي واللاخلاقي.
فعن السبب الأول رفض كانط رهن الواجب الأخلاقي لغايات تخرج عنه, بصيغة أوضح رفض كانط بتأسيس الأخلاق على التجربة الحية لما يطالها من تغير وتبدل وما ترتبط به من غايات خارجة عن الفعل ,وهذا معناه أن الفعل الأخلاقي لا يكون كذلك إلا لذا كان واجبا إذا الواجب آمرا مطلق, كلي, ثابت, إنساني, منزه, صادر عن الإرادة الخبرة للإنسان وعن السبب الثاني يحدد كانط جملة من القواعد أو الصيغ بها تقاس أفعالنا .
1-قاعة الكلية: " اعمل دائما بحيث تستطيع أن تجعل من قاعدة فعلك قانونا كليا شبيها بقانون الطبيعة".
2- قاعة التنزيه: اعمل دائما بحيث تعامل الإنسانية في شخصك وفي أشخاص الآخرين دائما كغاية لا كوسيلة".
3- قاعة الحرية أو الإرادة: "اعمل دائما بحيث تستطيع أن تجعل عن إرادتك الإرادة الكلية المشرعة للقانون الأخلاقي."
بهذه القواعد يتضح سمو الواجب الاخلاقي الذي لا يمكن أن نخفضه إلى مجرد واجب اجتماعي قل هو واجب لكل الكائنات العمالقة تمثلا للقانون لا أكبر.
النقد: طمح كانط إلى تأسيس أخلاق ثابتة أمن لها اليقين و المطلقة وجعلها متعالية منزهة ومع ذلك كانت عرضة لانتقادات شديدة وخاصة من قبل الفيلسوف الألمان فريدريك نيتشة الذي لم ير في مساواة الناس جميعا في واجب مطلق يختفي وراءه هؤلاء الضعفاء في الوقت الذي يفترض فيه أخلاق القوة (أخلاق السادة) تلك التي تعبر عن إرادة الحياة.
ج- المذهب الاجتماعي: في المقابل للمذاهب السابقة يرفض الاجتماعيون كل تأمل أخلاقي لا يأخذ بعين الاعتبار الواقع الاجتماعي و فقد جعلت الماركسية الخلاق انعكاس للواقع الاجتماعي الذي يعد هو بحد ذاته صدى لعلاقات الإنتاج, فالأخلاق السائدة هي أخلاق الطبقة المسيطرة , بينما تذهب المدرسة الاجتماعية بزعامة دوركايم وليفي بريل, إلى أن الأخلاق ethique هي في الحقيقة العادات والتقاليد, فهي في نظر دوركايم ظاهر اجتماعية تمارس ضغطا وإكراها , "لسنا سادة وتقويمنا الأخلاقي , فنحن ملزمون ومجبرون ومقيدون والذي يلزمنا ويجبرنا ويفيدنا هو المجتمع". معنى ذلك أن أساس الفعل الأخلاقي هو المجتمع, فما حسنه المجتمع وأمر به فهو واجب أخلاقي لأن الواجب الأخلاقي بالضبط هو الواجب الاجتماعي وما نهى عنه معناه شر ينبغي تجنبه, هذا ما يدل عليه الواقع وما يكشف عليه التاريخ.
النقد: لا شك أن للمجتمع حضورا قويا فيما لدينا من قيم أخلاقية نأخذها كقوالب جاهزة علينا الاقتتال لها ومع ذلك فالأخلاق ليس كلها اجتماعية, فقد ناهض برغسون الخلاق الاجتماعية ووصفها بالأخلاق المغلقة, الساكنة والراكدة التي تتنقل من جيل إلى جيل في مقابل الأخلاق المفتوحة, الحيوية والمتطورة تلك التي يبدعاه الأفراد القديسون والأبطال...
ويعلق فرانسوا غريغوار على الأخلاق الاجتماعية وما بها من نقص"فهي تبرير للانسياق الاتباعي " الذي يحرمنا من كل إبداع.
نتيجة : نكشف من العرض السابق إن الإنسان كائن أخلاقي بلا ريب حتى لو شك في هذا الأساس أو ذاك كما يكشف التحليل انه من الصعب اتخاذ أساس مطلق للأخلاق بسبب من تشعب الحياة وتعدد مناحيها.
مشكلة سلم القيم الأخلاقية وتعارض الواجبات .
ضبط المشكلة: تقرر من التحليل السابق أن الإنسان في جميع الأحوال يسلك بمقتضى رقم ونظام أخلاقي بغض النظر الطبيعية و الأساس و لكن كثيرا ما نجد أنفسنا إزاء واجبات نختار في أيتها نختار وبأيها نبدأ. فما هو السلم الذي ينبغي أن نعتمده في اختيار الواجبات ؟
يمكن إخضاع الإجابة على هذا السؤال للمذاهب السابقة ونتوقع أن يوجهنا أصحاب اللذة والمنفعة إلى اختيار السلوك على أساس من اللذة وبها تغدو الواجبات الشخصية سابقة على العامة, وفضائل الحس والجسد قبل تضائل التأمل والعقل, حلافا للاجتماعين الذين يضعون الواجبات الاجتماعية, الآتية والقائمة موضع التنفيذ قبل الواجبات الخاصة أو المتعالية , بينما ستكون إجابة كانط على ذلك من أن السلم الجدير بالاحترام هو أن نضع الواجب الاخلاقي موضع الاختيار باعتباره الأسمى والمنزه والكلي و الثابت و إجمالا الفضائل أصناف و ينبغي للإنسان أن يحرص على انتقاد واختيار الأجدر منها و الأكمل, أي تلك التي تكمل بها إنسانية الإنسان.