- التعريف بجمعية العلماء 1931 – 1956 ؟... جاء في منشور لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين نشر في جريدة البصائر عدد 160 الصادرة في 07 أبريل 1939 ما يلي : »
إن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين جمعية إسلامية في سيرها وأعمالها،
جزائرية في مدارها وأوضاعها، علمية في مبدئها وغايتها، أسست لغرض شريف،
تستدعيه ضرورة هذا الوطن وطبيعة أهله، ويستلزمه تاريخهم الممتد في القدم
إلى قرون وأجيال، وهذا الغرض هو تعليم الذين ولغة العرب التي هي لسانه
المعبر عن حقائقه للكبار في المساجد التي هي بيوت الله وللصغار في المدارس
على وفق أنظمة لا تصادم قانونا جاريا ولا تزاحم نظاما ما رسميا ولا تضر
مصلحة أحد، ولا تسيء إلى سمعته فجميع أعمالها دائرة على الدين، والدين
عقيدة، اتفقت جميع أمم الحضارة على حمايتها وعلى التعليم والتعليم مهنة،
اتفقت جميع قوانين الحضارة على احترامها وإكبار أهلها «.2- المبادئ التي ناضلت من أجلها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين :يمكن
اختصار المبادئ التي ناضلت من أجلها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في
الشعار المعروف الذي كانت تكتبه على غلاف البعض من كتبها المدرسية التي
يدرس فيها تلامذة مدارسها وهي : الإسلام ديننا، العربية لغتنا، الجزائر
وطننا....
وكانت جريدة البصائر، وهي اللسان المركزي لجمعية العلماء المسلمين
الجزائريين تحمل في صدر صفحتها الأولى تحت العنوان مباشرة، الشعار التالي :
وهو (أي شعار الجريدة) العروبة والإسلام، وذلك بتقديم لفظ العروبة على لفظ
الإسلام، باعتبار اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم وبالتالي هي لغة
الإسلام....
وطبقا لشعارها، الإسلام ديننا والعربية لغتنا والجزائر وطننا، وهي
المقومات الأساسية للشخصية الجزائرية ماضيا وحاضرا ومستقبلا، فقد ناضلت
جمعية العلماء نضالا صامدا لا هوادة فيه، ضد كل ما يمس أحد مقومات الشخصية
الجزائرية من قريب أو بعيد ولذلك حاربت حربا شعواء الأمور التالية :1- التنصير2- الفرنسية3- التجنيس4- الاندماج في فرنساكما
كانت تحارب حربا شعواء كذلك، ظاهرة زواج الجزائريين بالأوروبيات، وكانت
تنادي بأن كل جزائري يتزوج بامرأة أوروبية فهو قد أدخل الاستعمار إلى
بيته، وقد قامت كل جرائد جمعية العلماء التي أصدرتها خلال عام 1933 (وهي :- السنة المحمدية- الشريعة المطهرة- الصراط السويالتي
أغلقها الاستعمار الفرنسي الواحدة تلو الأخرى بحيث لم يصدر من كل واحدة
منها سوى أعداد قليلة بالإضافة كذلك إلى مجلة الشهاب للشيخ عبد الحميد بن
باديس) بحملات ضارية ضد التجنيس والاندماج، وضد الزواج بالأوروبيات، وبيان
مضارها وأخطارها على الشخصية الجزائرية والأطفال الجزائريين.3- أركان جمعية العلماء المسلمين الجزائريين :كتب
الشيخ عبد الحميد بن باديس في البصائر عدد 83 الصادرة في 30 سبتمبر 1937
يقول : العروبة، والإسلام, الفضيلة، هذه أركان نهضتنا، وأركان جمعية
العلماء المسلمين الجـزائريين، التي هي مبعث حياتنا، ورمز نهضتنا، فمازالت
هذه الجمعية منذ كانت تفقهنا في الدين، وتعلمنا اللغة، وتنيرنا بالعلم،
وتحلينا بالأخلاق الإسلامية العالية، وتحفظ علينا جنسيتنا، وقوميتنا،
وتربطنا بوطنيتنا الإسلامية الصادقة.4- مبادئ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي تكونت من أجل تحقيقها :وتتلخص
مبادئ جمعية العلماء بصفة إجمالية في الفقرات التالية التي ننقلها من مقال
كتبه رئيسها الثاني الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، بعد وفاة رئيسها الأول
الشيخ عبد الحميد بن باديس، في جريدة البصائر لسان حال جمعية العلماء تحت
عنوان : جمعية العلماء، موقفها من السياسة والساسة، وقد جاء فيه ما يلي : »
يا حضرة الاستعمار، إن جمعية العلماء تعمل للإسلام بإصلاح عقائده، وتفهيم
حقائقه، وإحياء آدابه، وتاريخه، وتطالبك بحرية التعليم العربي، وتدافع عن
الذاتية الجزائرية، التي هي عبارة عن العروبة والإسلام مجتمعين في وطن،
وتعمل لإحياء اللغة العربية وآدابها، وتاريخها، في موطن عربي وبين قوم من
العرب، وتعمل لتوحيد كلمة المسلمين في الدين والدنيا، وتعمل لتمكين أخوة
الإسلام العامة بين المسلمين كلهم، وتذكر المسلمين الذين يبلغهم صوتها
بحقائق دينهم، وسير أعلامهم، وأمجاد تاريخهم، وتعمل لتقوية رابطة العروبة،
بين العربي والعربي لأن ذلك طريق لخدمة اللغة والأدب «. (البصائر العدد
الثالث، سنة 1947)5- جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بين الأمة والحكومة :...
وكتب الشيخ مبارك الميلي في البصائر عدد 92 الصادر في ديسمبر 1937 يوضح
مبادئ الجمعية قال : » جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تعمل للمحافظة
على الإسلام النقي، من الخرافات، والبرئ من كل البدع، وعلى العروبة الخالدة
العزيزة على كل عربي، وكل مسلم، وإن لم يكن عربي الجنس، فليست هي حزبا
خاصا، ولا ضد حزب خاص، وإنما هي جمعية الأمة المسلمة الجزائرية، إذا لا تجد
في أقصى رمال الجزائر، أو أمنع جبالها، من يبرأ من الإسلام الصحيح، أو
يستنكف عن العروبة، وإذا وجد في هذه الأمة من يخالفها في شعورها نحو
الإسلام والعروبة، فهو أحد رجلين إما من اللذين أفسدتهم تربية المبشرين
المسيحيين، وإما من اللذين أضلتهم تعاليم المدارس اللادينية، وهما قليلان
في نوعهما ضئيلان في مجموع الأمة «، إن الأمة شديدة الإقبال على جمعيتها،
وإن الحكومة شديدة الحرص على معاكسة الجمعية، والذي نراه من هذه الحالة أن
الحكومة غير مبالية بإرادة الأمة مع أن المعقول في سائر الحكومات هو احترام
إرادة الأمة.6- جمعية العلماء حاربت سياسة التجنيس، والإدماج، بكل قوة وعنف في جرائدها وخطبها ومختلف شعبها :وكتب الشيخ محمد البشير الإبراهيمي في البصائر عدد 04 الصادرة في 29 أوت (تموز) 1947 يقول :»
حاربت جمعية العلماء سياسة الاندماج، في جميع مظاهرها، فقاومت التجنيس،
ونازلت أنصار الحمس، ودعاته المقاويل حتى قهرتهم وأخرستهم، وقطعت الحبل في
أيديهم، ثم أفتت فتواها الجريئة فيه يوم كانت الجرأة في مثل هذه المسائل
بابا من العذاب «. (أنظر فتوى جمعية العلماء في التجنيس في جريدة البصائر
عدد 95 السلسلة الأول سنة 1935).فكان
ذلك منها تحديا للاستعمار، وإبطالا لكيده، وتعطيلا لسحره، وأثبتت بتلك
الموافق الجريئة للجزائر إسلاميتها، وحاربت العنصرية التي كان الاستعمار
يغذيها، ويعدها من أمضى أسلحته، لقطع أوصال الأمة، فقطعت دابرها والاستعمار
خزيان ينظر وأثبتت بذلك للجزائر قوميتها العربية.وحاربت
أخر ما حاربت لائحة السابع من مارس سنة 1944 بشدة وقوة، وشنعت بها في
دروسها، وخطبها، وبينت للأمة الدسائس التي تنطوي عليها اللائحة وأنها وسيلة
شيطانيه إلى الاندماج جاء بها بعد خيبة الوسائل التي تقدمتها.وكتب الشيخ العربي بن بلقاسم التبسي منددا بسياسة التجنيس قائلا :»
إن فرنسا تعمل جهدها لإبادتنا، وإدماجنا، ومحونا، من الحياة كشعب ذي
خاصيات، وأمة ذات ميزة، وإنه لمن العجيب حقا أن تريد فرنسا بتجنيسها، محو
إنساني كامل، في وقت تمنع فيه القوانين الدولية إبادة أنواع الحيوانات
والطيور «.ثم
يقول : » إن الله خلق العباد ليكونوا عبيدا له، لا عبيدا لمخلوق آخر، وذلك
فإننا لا نسلم في كرامتنا، ولا نتهاون في الخطر الذي يهدد جنسنا، وديننا،
والله معنا، والقوانين العادلة الحكيمة تؤيدنا، وسنخرج بحول الله من الذل
إلى العز، ومن الهمجية إلى المدنية، ومن النار إلى الجنة «. (أنظر كتاب
مقالات في الدعوة إلى النهضة الإسلامية في الجزائر بقلم الشيخ العربي
التبسي جمع وتبويت الأستاذ شرفي أحمد الرفاعي دار البعث قسنطينة سنة 1981).7- نشاط جمعية العلماء في فرنسا : الوعظ والإرشاد للعمال الجزائريين بفرنسا، وتعليم العربية والإسلام لأبنائهم....
ونشرت البصائر في العدد رقم 04/29 أوت (تموز) 1947 نقالا جاء فيه : جمعية
العلماء تعلم وتأسف أن مسلمي فرنسا معرضون للتحلل من الإسلام، والعروبة،
بطول الأمد، وتأثير الوسط، وتعلم أن الأولاد الذين يولدون هناك من أمهات
أوروبيات، يكونون أوفر سهما، من شرور هذا التحلل، فإذا لم تتعاهدهم الجمعية
بالوعظ والإرشاد لكبارهم، وتعليم الدين والعربية لصغارهم، ضاع على الأمة
آلاف من أبنائها يندمجون في دين غير دينها، وجنس غير جنسها، وكانت الجمعية
قد بدأت في هذا العمل الجليل سنة 1936 على يد أحد أبنائها وهو الشيخ الفضيل
الورتلاني، فقام فقه أحمد قيام، وجمع المسلمين عناك على هداية الدين،
وشهامة العرب، وأشربهم معنى الإصلاح الذي شع نوره في الجزائر، وفتح في
باريس وغيرها من مدن فرنسا عشرات النوادي المنظمة للاجتماع، والتخاطب
بالعربية، وإلقاء المحاضرات، للكبار، والدروس التعليمية للصغار، وأمدته
جمعية العلماء بطائفة من المعلمين، والمحاضرين، فأثمر السعي وأنتج العمل
وشعر المسلمون هناك أنهم في وسط إسلامي عربي، وبعد خروج الورتلاني إلى
الشرق، وقيام الحرب العالمية الثانية، انفضت المجالس وأغلقت النوادي، وتعطل
عمل من أجل الأعمال التي قامت بها جمعية العلماء، وفي هذه السنة (1947)
رأت الجمعية، إحياء تلك السنة، فأرسلت الشيخ سعيد الصالحي، كي يعمل على
إحياء هذه الحركة، وهو ممن عملوا مع الفضيل الورتلاني قبل الحرب العالمية
الثانية.8- أشنع أعمال فرنسا في الجزائر :...
كتب الشيخ محمد البشير الإبراهيمي في كتابه عيون البصائر ص : 392 كتب يقول
: » كانت الجزائر قبل الاحتلال الفرنسي، لها في سنة 1830 دولة مستقلة،
غنية، تملك خصائص الدولة في ذلك العصر وأهمها، العلم بالدين والدنيا، وفيها
من الأوقاف الإسلامية الدارة على العلم، والدين، ووجوه البر، ما لا يوجد
مثله في قطر إسلامي آخر، ومنذ تغلب عليها الاستعمار الفريد في الخبث، وهو
يعمل جاهدا، على قتل شخصيتها بالقضاء على الدين واللغة العربية، وكان أول
عمل قام به هو مصادرة الأوقاف الإسلامية، والمعاهد التابعة لها، من مساجد،
مدارس، وزوايا، وتحويلها إلى كنائس، وثكنات، وإسطبلات، وميادين، ومرافق
عامة، ثم أصدر قانونا لا نعرف له نظير في تاريخ البشرية العاقلة، يقضي
باعتبار اللغة العربية، لغة أجنبية، في وطنها، وبين أهلها، يتوقف تعليمها
على إذن خاص، وشروط ثقيلة، وزادت تلك الشروط على الأيام ثقلا، وعنتا، حتى
أصبحت في السنوات الأخيرة لا تطاق، وأصبح معلم العربية يقف في قفص الاتهام
مع اللصوص، والسافكين، وتجري عليه العقوبات مثلهم بالسجين، والتغريم،
والتعذيب، (ثم دأب الاستعمار من مائة ونيف وعشرين سنة) على طمس كل أثر
للإسلام والعربية، وقطع كل صلة بينهما وبين الشرق، ليتم له بعد ذلك مسخ
الأمة الجزائرية، وإدماجها في الأمة الفرنسية، ولكن المناعة الطبيعية في
هذه الأمة وتصلبها في المحافظة على التراث الإسلامي المقدس، وعلى خصائصها
الشريفة، دفع عنها ذلك البلاء وأنقذها من ذلك المصير «.ويضيف
الشيخ محمد البشير الإبراهيمي إلى ذلك قوله : » مبدأ جمعية العلماء يرمي
إلى غاية جليلة، فالمبدأ هو العلم والغاية هي تحرير الشعب الجزائري،
والتحرير في نظرها قسمان : تحرير العقول والأرواح، وتحرير الأبدان
والأوطان، والأول أصل للثاني، فإذا لم تتحرر العقول والأرواح، من الأوهام
في الدين وفي الدنيا، كان تحرير الأبدان من العبودية والأوطان والاحتلال،
متعذرا أو متعسرا، حتى إذا تم شيء منه اليوم ضاع غدا لأنه بناء على غير
أساس والمتوهم ليس له أمل فلا يرجى منه عمل « (المرجع السابق).9- أهداف التعليم في مدارس ومعاهد جمعية العلماء :...
لقد كانت غاية التربية عند رجال الحركة الإصلاحية السلفية في الجزائر،
المنضوين تحت لواء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، تهدف إلى تكوين جيل
قائد في الجزائر، أما كيفية تعليم هذا الجيل القائد فيشرحها الشيخ محمد
البشير الإبراهيمي في الفقرات التالية :قال
: » كانت الطريقة التي إتفقنا عليها أنا وابن باديس في اجتماعنا بالمدينة
المنورة، في عام 1913 م في تربية النشىء هي أن لا نتوسع له في العلم، وإنما
نربيه على فكرة صحيحة، ولو مع علم قليل، فتمت لنا هذه التجربة في الجيش
الذي أعددناه من تلامذتنا « (مجلة مجمع اللغة العربية العدد 21 القاهرة،
سنة 1966 م، ص : 143).وكتب
الشيخ محمد البشير الإبراهيمي في البصائر عدد09 الصادر في 03 أكتوبر 1947
نداءا إلى الطلبة الجزائريين المهاجرين في سبيل العلم قال فيه :»
يا أبناءنا إن الحياة قسمان، حياة علمية، وإن الثانية منهما تبنى على
الأولى، قوة، وضعفا، وإنتاجا، وعقما، وإنكم أقوياء في العمل، إلا إذا كنتم
أقوياء في العلم، ولا تكونون أقوياء في العلم، إلا إذا انقطعتم له، ووقفتم
عليه الوقت كله، إن العلم لا يعطي القيادة إلا لمن مهره السهاد، وصرف إليه
أعنة، الاجتهاد، أنتم اليوم جنود العلم، فاستعدوا لتكونوا إذا جنود العمل،
فإن الوطن يرجو أن يبنى بكم جيلا قوي الأسر، شديد العزائم، سديد الآراء،
متين العلم، متماسك الأجزاء، يدفع عنه هذه الفوضى السائدة في الآراء، وهذا
الفتور البادي على الأعمال، وهذا الخمول المخيم على الأفكار «.10- نشأتها :...
في يوليو (جويلية) من عام 1930 بلغ عمر الاحتلال الفرنسي لعاصمة الجزائر
قرنا كاملا (1830 – 1930) وبهذه المناسبة أقامت فرنسا احتفالات صاخبة في
الجزائر كلها قدرت لها أن تدوم ستة أشهر كاملة » ودعت(1) إليها
الدنيا كلها « على حد تعبير الشيخ البشير الإبراهيمي. غير أنها لم تدم سوى
شهرين فقط نظرا لمقاطعة الشعب الجزائري لها، وغضبة على إقامتها بتلك الصورة
الاستفزازية مما جعل فرنسا تختصرها من ستة أشهر إلى شهرين فقط.... وقد أنفق الفرنسيون على هذه الاحتفالات ما يزيد عن ثمانين مليون فرنك فرنسي(2)
وأعادوا ذكرى جيش الاحتلال الأول الذي احتل الجزائر في عام 1830 بملابسه،
وموسيقاه، وحضر الرئيس الفرنسي خصيصا إلى الجزائر لرئاسة الاحتفالات
المذكورة التي اتخذت صورة استفزازية بالنسبة لمشاعر الجزائريين، وإحساسهم
حيث أشعرتهم بالذل والمهانة وذكرتهم بمئات الألوف من الشهداء من آبائهم
وأجدادهم الذين سقطوا في ميادين الجهاد طيلة أكثر من نصف قرن عن حرية
بلادهم واستقلالها، وقد دلت خطب المسؤولين الفرنسيين في هذه الاحتفالات على
روحهم الصليبية المتطرفة التي لا يزالون يكنونها للعروبة والإسلام في
الجزائر، ومن هنا كانت تلك الاحتفالات الاستفزازية بالإضافة إلى غيرها من
ظروف موضوعية أخرى، عاملا قويا في سرعة إخراج فكرة تكوين جمعية العلماء
المسلمين الجزائريين من حيز الأماني إلى حيز الوجود الفعلي كي تعمل على
المحافظة على عروبة الجزائر وإسلامها من الأخطار المحدقة بهما....
وبالفعل ففي العام التالي مباشرة وقبل أن ينقضي عام واحد على الاحتفالات
المذكورة تم تكوين » جمعية العلماء المسلمين الجزائريين « من صفوة من علماء
الذين ينتمون إلى مدرسة التجديد الإسلامي التي ظهرت في العالم الإسلامي
ابتداءا من القرن الثامن عشر الميلادي....
وهؤلاء العلماء كلهم أو جلهم ممن لهم ماض حافل في خدمة الثقافة العربية،
والدعوة الإصلاحية، ومقاومة مشاريع الاستعمار المبيتة ضد الشخصية القومية
للشعب الجزائري، مثل الشيخ عبد الحميد بن باديس، والشيخ البشير الإبراهيمي،
والشيخ الطيب العقبي، والشيخ العربي التبسي، والشيخ مبارك الميلي، وغيرهم.
جمعت بينهم وحدة الهدف، ووحدة الفكرة، والمشرب، والغاية....
وهكذا برزت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين إلى الوجود رسميا في الخامس
من شهر مايو (أيار) سنة 1931 م وقد اتخذت مقرا لها في بداية تكوينها »
نادي الترقي « الذي أسس بالعاصمة في عام 1926 م فكانت تعقد فيه اجتماعاتها،
وتقيم مؤتمراتها السنوية، وتمارس منه نشاطها العام وتولى رئاستها منذ
البداية الشيخ عبد الحميد بن باديس الذي أنتخبه زملاؤه رئيسا للجمعية
بالإجماع في غيبته، وتولى نيابة الرئاسة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي،
الذي استمر يشغل هذا المنصب إلى أن توفى الشيخ عبد الحميد بن باديس في 16
أبريل سنة 1940 م أثناء الحرب العالمية الثانية، فانتخبه أعضاء الجمعية في
غيبته بالإجماع لرئاستها وهو في منفاه في آفلو بالجنوب الجزائري....
وهكذا انتخب رئيسا الجمعية في كل مرة غيابيا وبإجماع أصوات الأعضاء، وقد
استمر الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، يشغل هذا المنصب حتى توقفت الجمعية
بعد قيام ثورة نوفمبر 1954 م، وذلك في عام 1956 م.ويذكر الشيخ محمد البشير الإبراهيمي أنه » لو تأخر ظهور جمعية العلماء عشرين سنة أخرى لما وجدنا في الجزائر من يسمع صوتنا «(3)....
وقد تقاسم المسؤولون الكبار في الجمعية العمل في المراكز الجزائرية
الحيوية ووزعوا مسئولية العمل فيها فيما بينهم بحيث تولى الرئيس ابن باديس
العمل في مدينة قسنطينة وعمالتها. وتولى الشيخ الطيب العقبي نائب الأمين
العام للجمعية مسؤولية العمل في العاصمة وعمالتها. وتولى الشيخ محمد البشير
الإبراهيمي نائب الرئيس مسؤولية العمل في وهران وعمالتها على أن تكون
إقامته في مدينة تلمسـان لا في مدينة وهران.11- أهدافها :...
وقـد اقتحمت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين منذ تأسيسها ميدان حرب
محفوف بالمزالق، والأخطار، فحاربت أول ما حاربت أنصار الاستعمار، ثم قاومت
وحطمت البدع، والضـلالات الدينية، التي استغلها الاستعمار تحت ستـار
الطـرقية حتى تمكنت من تطهير الدين الإسلامي من الخرافات والبدع، ثم أخذت
في الحملة التعليمية العربية الإسلامية الكبرى، فوفقها الله إلى تكوين ذلك
الجيل الصالح الذي أخرجته مدارسها والذي هو اليوم قوة العروبة والإسلام في
البلاد(4).... وتتلخص مبادئ جمعية العلماء بصفة إجمالية في الشعار التالي الذي ينسب إلى الشيخ عبد الحميد ابن باديس أول رئيس لها وهو » الإسلام ديننا – والعربية لغتنا(5) – والجزائر وطننا «.هذه
باختصار هي أهدافها ومبادئها، إحياء اللغة العربية، والدفاع عن الإسلام
والعمل على تحرير الوطن الجزائري، وتقوية أواصر الأخوة بين العرب
والمسلمين.وقد
قامت هذه الجمعية كما قلنا كرد فعل لسياسة التنصير والفرنسة، التي أرادت
فرنسا فرضها على الجزائر كي تسلخها من جسم العروبة والإسلام، وتلحقها
بكيانها وحضارتها اللاتينية، وراء البحر المتوسط في القارة الأوروبية.
ولذلك بذلت جمعية العلماء جهدها الأكبر لإحياء اللغة العربية، التي كادت
تندثر في الجزائر، ونشرها على نطاق واسع بين أبناء الجزائر، ومقاومة نشاط
رجال التبشير بالدين المسيحي الذي تحميهم فرنسا، وتساعدهم بأموال الأوقاف
الإسلامية، التي اغتصبتها من أصحابها الجزائريين كي يعملوا على تنصيرهم، ثم
العمل بكل وسيلة على إحباط سياسة الاندماج، والتجنيس، التي يدعو لها بعض
الجزائريين الذين أفلحت الثقافة الفرنسية في إضعاف قوميتهم العربية
الإسلامية. من أعضاء حركة المنتخبين المسلمين الذين كانوا ينادون بالاندماج
والتجنيس للجزائريين في فرنسا.وقد جاء في قانونها الأساسي الذي عدل في عام 1951 م في فصله الأول ما يلي : » تأسست في عاصمة الجزائر جمعية دينية، علمية، تهذيبية، أدبية، تحت اسم "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين" «(6).كما جاء في الفصل الثالث منه : » أنه يمنع بتاتا كل بحث سياسي وكذلك كل تدخل في أية مسألة سياسية، داخل نطاق الجمعية «....
وكان الهدف من إعلان الجمعية بأنها ليست سياسية هو تجنب المصير الذي لقيته
معظم الحركات السياسية الوطنية في الجزائر في ظل الأحكام الاستثنائية
(قوانين الاندجيا) التي كانت تكتم أنفاس الجزائريين وتحصى عليهم حركاتهم
وسكناتهم.12- أعمالها :...
وتحت ستار العمل الديني البحث، ونشر التعليم والتهذيب بين أطفال الجزائر،
ودروس الوعظ والإرشاد للكبار، من الموطنين، كانت جمعية العلماء تخوض في
الأمور السياسية، وتوجه الشعب توجيها عربيا إسلاميا ووطنيا يتناقض تمام
التناقض مع سياسة الاحتلال وتوجيهه، بدون أن تستطيع الإدارة الاستعمارية أن
تتعرض لها، وكان رجال الجمعية من الذكاء والبراعة، بحيث يفلتون من مكائد
الإدارة، ومن مناوراتها بدون أن يمكنوها من فرصة واحدة لمؤاخذاتهم، كما أن
الجمعية قد تركت لأعضائها الحرية الكاملة في الخوض في المسائل السياسية
العامة، بصفتهم الشخصية لا بوصفهم أعضاء فيها. وبهذه الطريقة كان لكل عضو
من أعضائها دوره البارز في الميدان السياسي العام....
والواقع أن جمعية العلماء لعبت دورا بالغ الأهمية في التاريخ الجزائري
الحديث بل لا نغالي إذا ما قلنا أنها هي المنظمة الوطنية التي يعود إليها
الفضل في بقاء الإسلام والعروبة في الجزائر حتى اليوم وتجنيب الجزائر من
مخاطر سياسة الإدماج والفرنسة، التي كان يدعو لها بعض الجزائريين في
العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين، ويعمل الاستعمار من ناحية على
فرضها على الجزائريين بكل الوسائل الشيطانية منذ الأيام الأولى للاحتلال
كما سبق أن ذكرنا....
ويلاحظ أن نشاط جمعية العلماء في العمل على المحافظة على الشخصية القومية
للشعب الجزائري لم تقتصر على الجزائر وحدها بل امتد إلى فرنسا حيث بعثت
الوفود، وأسست النوادي، والمدارس لتعليم أبناء الجالية الجزائرية الكبيرة
العدد في فرنسا، وإلقـاء دروس الوعظ والإرشاد على المواطنين الجزائريين
هنـاك ابتداءا من عام 1936 م....
وقد أصدرت جمعية العلماء عدة صحف باللغة العربية لنشر أفكارها، وتبليغ
دعوتها للمواطنين، كان الاستعمار يغلقها الواحدة بعد الأخرى، بعد صدورها
بقليل.13- كيف قاومت جمعية العلماء سياسة التجنيس :...
ومن أهم المسائل التي كانت موضع احتكاك بين جمعية العلماء، وحكومة فرنسا
في الجزائر، هو موقف الجمعية من سياسة التجنيس التي فرضتها فرنسا على
الجزائريين بمقتضى القانون الإمبراطوري الصادر في 14 جويلية 1865 م.وقد نص القانون المذكور في أحد فصوله على أن »
الأهلي الجزائري "فرنسي" « ونص في فصل آخر على أن الجزائري لا ينال
الحقوق السياسية التي يتمتع بها المواطن الفرنسي الأصل، إلا إذا تجنس
بالجنسية الفرنسية.وقد ذكر واضع هذا القانون الغريب أن المسلم الجزائر "الفرنسوي" بمقتضى الفصل الأول تجري عليه أحكام الشريعة الإسلامية.وأما
المسلم الجزائري " الفرنسوي" حسب الفصل الثاني "أعني" (المتجنس) فتطبق
عليه نصوص الشريعة الفرنسوية (القانون المدني الفرنسي في مسألة الأحوال
الشخصية من زواج، وطلاق، وميراث).وفي عام 1919 م صدر قانون آخر لم يدخل على قانون 1875 أدنى تحسين بل أبقى المسلم الجزائري مخيرا بين أمرين :إما أن يكون فرنسويا بلا حقوق.وإما أن يتجنس بالجنسية الفرنسوية، التي هي جنسيته الرسمية (رغم أنفه) و ينسلخ عن الذاتية الإسلامية لينال(7)
الحقوق الفرنسية وقد اشتدت دعوة الجزائريين إلى التجنس بالجنسية الفرنسية
والتخلي عن أحكام الشريعة الإسلامية بعد مرور قرن على احتلال فرنسا للجزائر
وذلك في عام 1932 م. حيث أصبح للتجنيس دعاة متحمسون من بعض الجزائريين
للذين سبق أن تجنسوا بالجنسية الفرنسية وأرادوا أن يكثر عددهم فأسسوا لذلك
بعض الجرائد التي صارت تحث الجزائريين على التجنيس من أجل الحصول على
الحقوق الفرنسية في مقابل التخلي عن أحد مقومات الشخصية الجزائرية وهو
الإسلام. وقد هال الأمر جمعية العلماء بعد تكوينها في عام 1931 م فشنت على
التجنيس ودعاته حملة شعواء بواسطة الخطابة، والندوات العامة، والدروس
الدينية، ثم بواسطة جريدتها البصائر التي أصدرتها في عام 1935 م.فقد كتب رئيس تحريرها الشيخ الطيب العقبي افتتاحية عنيفة تحت عنوان »
مكمن الصرعية في التجنس والمتجنسين « جاء فيها قوله : » " التجنيس –
بمعناه المعروف في شمال إفريقيا – حرام، والإقدام عليه غير جائز بأي وجه من
الوجود ".ومن
استحل استبدال حكم واحد من أوضاع البشر وقوانينهم بحكم من أحكام الشرع
الإسلامي فهو كافر مرتد عن دينه بإجماع المسلمين. لا يرجع إلى دائرة
الإسلام وحظيرة الشرع الشريف حتى يرفض باتا كل حكم وكل شريعة تخالف حكم
الله وشرعه المستبين «(8).وكتب الشيخ العربي بن بلقاسم التبسي رئيس لجنة الإفتاء بجمعية العلماء افتتاحية في البصائر تحت عنوان » التجنيس كفر وارتداد « جاء فيها ما يلي :»
... فهؤلاء المبتدعون للتجنيس على علم بتلك الحقيقة الاجتماعية الدينية "
من كثر سواد قوم فهو منهم" فيكون التجنيس غزوا للعقائد الإسلامية. ومحاولة
لتكفير المتجنس بطريقة يستهوي الذين يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة، وأنا
أتحقق كما يتحقق كل عائق أن هذه المكفرات لا يفعلها من ربي من أحضان
الإسلام. وأشرب قلبه حسب ما جاء في كتاب الله ، وإنما يرتكبها من أنشئ نشأة
بعيدة عن الإسلام وتعاليمه «. ثم أضاف إلى ذلك قوله : » التجنس أي صيرورة
المسلم من جنس غير المسلمين برفضه لأحكام الإسلام الإلهية وإيثاره لأحكام
وضعية بشرية حتى أنه يصير من يوم إمضائه للعقد القاضي بارتحاله من أسرة
الإسلام إلى أسرة غيره، لا حق له في الإسلام، وتشريعه، ولا في تحليله،
وتحريمه، ولا في آدابه وتاريخه، ولا في أحسابه وأنسابه، لأنه تركها مختارا
راغبا في سواها، كارها لها. وأين ذلك من قوله عز وجل في كتابه المحكم ] فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك...[ فهل ينطبق هذا الحكم على التجنس ؟(9) الهم لا... «...
وقد ختمت جمعية العلماء المسلمين حملتها ضد التجنيس والمتجنسين بإصدار
فتوى دينية بتكفير كل من يتجنس بالجنسية الفرنسية ويتخلى عن أحكام الشريعة
الإسلامية. وقد أصدرها رئيس الجمعية الشيخ عبد الحميد بن باديس وصادقت
عليها لجنة الإفتاء بالجمعية. ونشرتها جريدة البصائر لسان حال الجمعية....
ونظرا لأهمية هذه الفتوى، وما أحدثته من صدى كبير لا في الجزائر وحدها،
ولكن في كل من تونس والمغرب أيضا حيث كانت بمثابة الضربة القاضية على
التجنيس والمتجنس في كامل أقطار المغرب العربي الثلاثة، نوردها فيما يلي :» فتوى جمعية العلماء في التجنيس والمتجنسين «
»
التجنيس بجنسية غير إسلامية يقتضي رفض أحكام الشريعة، ومن رفض حكما واحدا
من أحكام الإسـلام عد مرتدا عن الإسـلام بالإجماع، فالمتجنس مرتد
بالإجماع، والمتجنس – بحكم القانون الفرنسي – يجري تجنسه على نسله فيكون قد
جنى عليهم بإخراجهم من حظيرة الإسلام، وتلك الجناية من شر الظلم وأقبحه،
وإثمها متجدد عليه ما بقي له نسل في الدنيا خارجا عن شريعة الإسلام بسبب
جنايته. فإذا أراد المتجنس أن يتوب فلا بد لتوبته من إقلاع كما هو الشرط
اللازم بالإجماع في كل توبة. وإقلاعه لا يكون إلا برجوعه للشريعة
الإسلامية، ورفضه لغيرها ولما كان القانون الفرنسي يبقى جاريا عليه. رغم ما
يقول هو من رجوعه، فإقلاعه لا يتحقق عندنا في ظاهرة حاله، وهو الذي تجري
عليه الأحكام بحسبه، إلا إذا فارق البلاد التي يأخذه فيها ذلك القانون إلى
بلاد تجري عليه فيها الشريعة الإسلامية. قد يكون صادقا في ندمه فيما بينه
وبين الله، ولكننا نحن في الظاهر الذي أمرنا باعتباره في إجراء الأحكام لا
يمكننا أن نصدقه وهو ما يزال ملابسا لما ارتد من أجله من أحكام تلك
الجنسية. ولهذا لا تقبل توبته و لا تجري عليه أحكام المسلمين «(10)....
وبعد صدور هذه الفتوى وانتشارها بين الناس فزع المتجنسون والاستعمار فزعا
كبيرا لأنها كانت بمثابة المعول الذي حطم كل آمال المتجنسين، وكذلك سياسة
الاستعمار في العمل على حمل الجزائريين على التجنس بالجنسية الفرنسية
والتخلي عن أحد مقومات الشخصية الجزائرية وهو » الإسلام « ومن هنا تتجلى براعة جمعية العلماء في محاربة سياسة التجنيس ثم القضاء عليها في نهاية المطاف.وقد اتبعت الجمعية في محاربة تلك السياسة سبيلين هما :1-
أنها أصدرت فتوى دينية شرعية بتكفير كل إنسان يتجنس بالجنسية الفرنسية
ويتخلى عن أحكام الشريعة الإسلامية، وبالتالي حرمانه من الصلاة عليه عند
وفاته، ومن دفنه في مقابر المسلمين وهي الفتوى التي سبق ذكرها منذ قليل.2-
أما الوسيلة الثانية لمحاربة التجنس فهي تتمثل في العمل على نشر الثقافة
العربية الإسلامية في الجزائر، وبث روح الاعتزاز بالتراث العربي الإسلامي
في نفوس الجزائريين.وبالتالي
فإن الجزائر ترتبط روحيا، وتاريخيا، وحضاريا، بالعالم العربي والإسلامي
وليس بالثقافة الفرنسية ولا حضارتها أو تاريخها، أو جنسيتها.ومن
هنا ركزت جمعية العلماء عملها في بناء المدارس العربية، والمساجد،
والنوادي، وإنشاء الصحف للدعوة لهذه الفكرة وبثها في شباب الأمة ورجالها.وخلاصة
القول أن جمعية العلماء تعتبر حركة إصلاحية سلفية من جهة ولكنها من جهة
أخرى تعتبر حركة قومية، تعارض كل سياسة تنادي باندماج الجزائر في فرنسا، أو
تجنسيتها بجسيتها، وتطالب للجزائر بالمحافظة على صبغتها الإسلامية
والعربية. كما كانت تناضل في السر والعلانية في سبيل تربية الشعب، وتنظيمه،
كي ينهض لمقاومة الاستعمار، من أجل تحرير الوطن وضم الجزار إلى الأسرة
العربية الكبرى.فبفضل
مجهودات رجال هذه الجمعية، عرفت الجزائر قبل الحرب العالمية الثانية نشاطا
عظيما، وحيوية بالغة في الميدانين : الثقافي، والسياسي، ورغم مختلف
العراقيل التي كانت تعترض سبيلهم لم يعرفوا تهاونا في العمل، ولا خمودا في
المهمة، ولا فتورا في العزيمة، الأمر الذي أكسبهم ثقة الشعب وتأييد(11). 14- دور جمعية العلماء المسلمين في ثورة أول نوفمبر 1954 :معلومات
شفوية أخذها الدكتور تركي رابح عمامرة عندما كان كتابه عن جمعية العلماء
المسلمين الجزائريين تحت عنوان (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين رائدة
التجديد الإسلامي والتربية في الجزائر) من الأستاذ أحمد توفيق المدني
الكاتب العام لجمعية العلماء عند قيام ثورة الفاتح من نوفمبر 1954 ورئيس
تحرير جريدة البصائر اللسان المركزي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين
بتاريخ 31/01/1981 في مركز الدراسات التاريخية بالمدينة الجزائر العاصمة.يقول الأستاذ أحمد توفيق المدني إن جمعية العلماء أعلنت منذ الساعات الأولى أنها من الثورة وتعمل حسب توجيهات الثورة.لجنة تحرير جريدة البصائر بعد قيام ثورة أول نوفمبر 1954 :يقول الأستاذ أحمد توفيق المدني أنه إبتداءا من بداية الثورة 1954 اجتمعت لجنة تحرير البصائر المتكونة من السادة :-
الأستاذ حمزة بوكوشة – الشيخ أحمد سحنون – أحمد توفيق المدني – عبد اللطيف
سلطاني – باعزيز بن عمر – وذلك بحضور الشيخ العربي بن بلقاسم التبسي رئيس
الجمعية في غياب رئيسها الشيخ محمد البشير الإبراهيمي المقيم في القاهرة
وحضور الشيخ محمد خير الدين – واتفق الجميع على أن يتولى الأستاذ أحمد
توفيق المدني ما يلي:1- تحرير الافتتاحية2- تحرير مقال تغطية أحداث الثورة3- تحرير موضوع السياسة العالمية4- تحرير موضوع العلوم والفنون والاختراعاتوهكذا
من بداية قيام الثورة حتى توقفت جريدة البصائر عن الصدور بتاريخ أفريل
1956 بأمر من إدارة الاحتلال كانت كل الافتتاحيات ما عدا افتتاحية واحد فقط
كانت بعنوان المجلس الجزائري كتبها باعزيز بن عمر والباقي كلها كانت بقلم
الأستاذ أحمد توفيق المدني ثم يقول: كانت الافتتاحية بعد كتابتها ترسل إلى
المسؤولين عن الثورة في العاصمة للنظر في محتواها ثم بعد ذلك تعاد إلى
البصائر ثم ترسل البصائر كلها بها فيها الافتتاحية للرقابة العسكرية
الفرنسية وكثيرا ما كانت تقوم مشادات بين توفيق المدني وبين الرقابة
العسكرية وفي بعض الأحيان تعطل البصائر عن الصدور.مقتطفات من بيانات جمعية العلماء عن الثورة نشرت في جريدة البصائر الصادرة في أعوام 1954 – 1955 – 1956 :1- ربط قضية تحرير الدين الإسلامي بقضية تحرير الوطن (بلاغ من جمعية العلماء) :المكتب
الدائم لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين بعد بحث الموقف الحاضر من
ناحية القضية الدينية وبعد استعراض الألاعيب والدسائس التي تحيكها الحكومة
والمجلس الجزائري للعبث بهذه القضية واستياء الأمة والاستمرار على العدوان
الشنيع يعلن أن الأمة قد يئست من الحكومة ومن المجلس الجزائري المدلس ومن
عدالة الدولة في هذه القضية وإن المحاولات العديدة التي حاولتها جمعية
العلماء المسلمين الجزائريين قصد الوصول إلى حل موفق معقول لهذا المشكل لم
تأت بنتيجة وإن الحكومة والمجلس الجزائري المزيف قد أظهر من سوء النية
أثناء دراسة هذه القضية ومن الرغبة الجامحة في إبقاء الدين الإسلامي أسير
والمساجد مغتصبة الأوقاف مسروقة ما جعل الاستمرار على السعي معها في إيجاد
حل عادل ضربا من العبث والاستهانة وهو يعتقد على ضوء الحوادث وقياسا على كل
ما وقع أن هذه القضية الدينية لا تجد حلا عادلا إلا ضمن حل كامل للقضية
الجزائرية التي وحدة الأمة الجزائرية يجب عليها في الساعة الحاضرة وفي
مستقبل الأيام أن تتوجه بكليتها لمحاولة حل قضيتها العامة حلا عادلا يتناسب
مع تطور العالم الحديث.(الجزائر في 08 جوان 1954 المكتب الدائم عن البصائر العدد 276 بتاريخ 25 جوان 1954).2- بيان من جمعية العلماء المسلمين الجزائريين (موقفها من الثورة) :...
لقد وقفت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الموقف الحازم الشديد اتجاه
الأحداث التي جابهتها البلاد الجزائرية منذ يوم غرة نوفمبر 1954 وشاركت
بواسطة جريدتها (البصائر) في فضح الأساليب الوحشية الفظيعة التي استعملتها
السلطة لمحاولة قمع حركة الثورة بواسطة الإرهاب والبطش وأعمال الزجر
والتنكيل ورفعت عقيرتها بالاحتجاج على تلك الموجة الطاغية من الاعتداء على
الحريات الفردية وسجن آلاف من أحرار البلاد ورجالها لمجرد الاشتباه بأمرهم
أو للحيلولة بينهم وبين المشاركة في الحوادث وهذا أمر لم يسبق إليه في قطر
أخر وما صحب كل ذلك من تفنن فظيع في التعذيب واستعمال وسائل سافلة قاسية
شديدة لإرغام الأبرياء على الاعتراف بذنوب لم يفكروا قط في ارتكابها.
وشاركت الجمعية مشاركة فعالة في تبليغ صوت الأمة لعالمي الشرق والغرب
والإعراب عن رغباتها ومطالبها ورفعت للضمير العام العالمي ورفعت للضمير
العام العالمي مع بقية الهيئات الحرة ظلامة الأمة وما تعانيه من تنكيل
جماعي شنيع شمل الجهات العديدة من أنحاء الوطن حيث شرد الناس وخربت البيوت
وانتهكت الحرمات وأتلف المؤن والأرزاق وعومل السكان الآمنون معاملة
المحاربين ثم فضحت تلك الأحكام الزاجرة القاسية التي انهالت على رؤوس الذين
سيقوا إلى المحاكم في تهم واهية ولم يتمكنوا من حق الدفاع الشرعي عن
أنفسهم فازدادت بجموعهم كثافة صفوف الأبرياء الذي ذهبوا ضحية الزجر
الاستعماري الفظيع ولقد أعلنت الحكومة في باريس وأعلنت السلطة في الجزائر
منذ أيام الحوادث الأولى أن أعمال التأديب لا تصيب إلا الذين ثبتت إدانتهم
خاصة لا تتعداهم إلى غيرهم لكن سرعان ما ظهر أن تلك الوعود قد تبخرت على
أيدي الذين يسيرون دفة الأمور في البلاد واليوم نرى الحكومة قد أقدمت بعد
ثلاثة أشهر بأيامها الحمراء ولياليها السوداء على النظر في برنامج إصلاحيات
طفيفة بسيطة لا ترضى الأمة ولا تحقق رغباتها ثم أجابت على عاصفة الاحتجاج
التي تصاعدت من كل مكان في العالم على قسوة وفظاعة الأعمال البوليسية
فأعلنت ضم نظام الشرطة الجزائرية إلى نظام الشرطة المركزية بباريس وأخير
استبدلت بالوالي العام الذي وقعت في أيامه الحوادث ووقعت في أيامه التي
أوجبت قيام تلك الحوادث واليا جديدا، تكون مهمته حسب ما قيل تنفيذ
الإصلاحات الجديدة، إن قدر لها ورأت النور، ونحن نرى أن نعلن من جديد بعدما
أطنبنا في بيان أفكارنا الأساسية على صفحات البصائر وبحكم اتصالنا بالأمة
الوثيق الذي يجعلنا نفصح عن رغباتها ونعبر عن أمالها وآلامها ويضيف بيان
جمعية العلماء عما وقع من حوادث أول نوفمبر المجيد.(إن
البلاد في حاجة أكيدة إلى تغييرات أصولية أساسية تتناول سائر الأسس التي
بني عليها النظام الجزائري لا إلى إصلاحات صورية طفيفة تؤيد الحالة الحاضرة
المذكرة وتفرضها على الأمة فرضا جديدا لا تكون عاقبته إلا القلاقل
والإضرابات والحوادث المتوالية) وإن برنامج التغيرات الأساسية الأصولية في
أمور البلاد لا يمكن أن يرتجل في باريس ارتجالا بل يجب أن يكون نتيجة بحث
ودراسة عميقة مع ممثلي الأمة الحقيقيين الذين يتكلمون باسم سائر الأحزاب
والهيئات والمنظمات القومية ولا تقبل الأمة بأية حال ولا ترضى عن برنامج
إصلاحي إلا إذا حقق رغبتها التحريرية الكبرى في كل ما يتعلق بالحكم
والإدارة والشؤون العامة وكل ما يتعلق بدينها ولغتها وترجو الجمعية أن تقدم
الحكومة بكل سرعة وإخلاص على تهيئة جو صالح للمفاوضات حول تحقيق الأسس
المتقدمة وذلك بإطلاق سراح سائر المسجونين سواء حوكموا أو لم يحاكموا
والإقلاع عن سياسة البطش الحربي، وإزهاق الأنفس البريئة، فليست أعمال العنف
هي التي تقضي على الثورة الظاهرة والخفية بل لا تقضي على ذلك إلا سياسة
الإنجازات الحقيقية التي تنتظرها الأمة بفارغ الصبر (إن جمعية العلماء قامت
وتستمر على القيام بسائر واجباتها مهما كانت الملابسات وترجوا أن تكون
مساهمة في حمل الحكومة على سلوك السياسة الرشيدة الصالحة كما كانت مساهمة
في حمل رسالة الأمة، إلى الدوائر التي تهتم بالقضية الجزائرية كلها، ثم
يضيف بيان جمعية العلماء على الأعمال الإجرامية ضد الشعب الجزائري المجاهد
فيقول :"
وتتوجه الجمعية أخيرا بكلمة إلى غلاة رجال الاستعمار الذين يحاولون
المحاولات اليائسة لإبقاء الحالة الاستعمارية الحاضرة وتقول لهم إن
محاولاتهم تعتبر جريمة لا تغتفر، وإن أعمالهم لن تؤدي إلا إلى الخراب
والاضطراب، كما تتوجه إلى الأمة بكلمة طيبة تستحثها فيها على التماسك
والتكتل والوحدة المطلقة في سبيل الدفاع عن حريتها المنتهكة وحقها المغصوب
وكرامتها المهضومة وروحانياتها التي امتهنت حتى تخرج من هذه الأزمة الطويلة
المدى لتحقيق أهدافها وبلوغ غايتها الكبرى وأن تصبر الصبر الجميل على ما
تعانيه من إرهاق، ومظالم فإن ساعة الفرج قريبة بحول الله.(المكتب الدائم لجمعية العلماء، عن جريدة البصائر العدد 304/04 فيفري 1955).3- بلاغ من الاجتماع العام لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين عن الحالة الحاضرة في القطر الجزائري وموقف الجمعية منها :بسم الله الرحمن الرحيم
الاجتماع
العام لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين المنعقد يوم السبت 23 جمادى
الأولى من عام 1355 هـ الموافق لـ 07 جانفي 1956 بمركز الجمعية لعاصمة
الجزائر، بعد إطلاعه على التقريرين الأدبي والمالي ومصادقته عليهما وبعد
اتخاذه للقرارات العامة في دائرة الجمعية بما يصلح به حالها ومالها.[font=Tahoma][color=#000000]يقرر
أنه كجزء عام حي من أجزاء الأمة الجزائرية لا يستطيع السكوت عما هو واقع
في القطر الجزائري من فظائع ومجازر وموبقات أصبحت أخبارها منشرة في
الخافقين ولا التغافل عن كل ما يتعلق بمستقبل الحياة في القطر الجزائري،
فيعلن بكل صراحة أن النظام الاستعماري المفروض بقوة السلاح على القطر
الجزائري منذ 1830 هو المسؤول الوحيد عن كل المآسي والمصائب والويلات التي
وقعت في القطر الجزائر، وذلك بما أحدثه فيه من ميز عنصري مخجل وما سلكه فيه
من سياسة التفقير والتجهيل والحرمان من كل نعم الحياة بالنسبة للعنصر
الإسلامي وما حارب به الدين الإسلامي في اقد