السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
احببت ان اتقاسم مع اخواني الافاضل، و اخواتي الفضليات شرح هذا الحديث
لشيخنا العلامة، فقيه عصره، محمد بن صالح العثيمين، رحمه الله رحمة واسعة.
عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ ) رواه البخاري
الشرح
قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ فيما رواه عن ابن عباس رضي الله عنهما : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة ، والفراغ )
، يعني أن هذين الجنسين من النعم مغبون فيهما كثير من الناس ، أي مغلوب
فيهما ، وهما الصحة والفراغ ، وذلك أن الإنسان إذا كان صحيحاً كان قادراً
على ما أمره الله به أن يفعله ، وكان قادراً على ما نهاه الله عنه أن يتركه
لأنه صحيح البدن ، منشرح الصدر ، مطمئن القلب ، كذلك الفراغ إذا كان عنده
ما يؤويه وما يكفيه من مؤنة فهو متفرغ.
فإذا
كان الإنسان فارغاً صحيحاً فإنه يغبن كثيراً في هذا ، لأن كثيراً من
أوقاتنا تضيع بلا فائدة ونحن في صحة وعافية وفراغ ، ومع ذلك تضيع علينا
كثيراً ، ولكننا لا نعرف هذا الغبن في الدنيا ، إنما يعرف الإنسان الغبن
إذا حضره أجله ، وإذا كان يوم القيامة ، والدليل على ذلك:
قوله تعالى : ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ (المؤمنون :100)
وقال عز وجل : ( مِنْ
قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا
أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ
الصَّالِحِين َ) (المنافقون:10)،
وقال الله عز وجل : ( وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (المنافقون:11) .
الواقع
أن هذه الأوقات الكثيرة تذهب علينا سدىً ، لا تنفع منها ، ولا ننفع أحداً
من عباد الله ، ولا نندم على هذا إلا إذا حضر الأجل ؛ يتمنى الإنسان أن
يعطى فرصة ولو دقيقة واحدة لأجل أن يستعتب ، ولكن لا يحصل ذلك.
ثم
إن الإنسان قد لا تفوته هاتان النعمتان : الصحة والفراغ بالموت ، بل قد
تفوته قبل أن يموت ، قد يمرض ويعجز عن القيام بما أوجب الله عليه ، وقد
يمرض ويكون ضيق الصدر لا يشرح صدره ويتعب ، وقد ينشغل بطلب النفقة له
ولعياله حتى تفوته كثير من الطاعات.
ولهذا
ينبغي للإنسان العاقل أن ينتهز فرصة الصحة والفراغ بطاعة الله ـ عز وجل ـ
بقدر ما يستطيع ، إن كان قارئاً للقرآن فليكثر من قراءة القرآن، وإن كان
لا يعرف القراءة يكثر من ذكر الله عز وجل ، وإذا كان لا يمكنه ؛ يأمر
بالمعروف وينهى عن المنكر ، أو يبذل لإخوانه كل ما يستطيع من معونة وإحسان ،
فكل هذه خيرات كثيرة تذهب علينا سدىً ، فالإنسان العاقل هو الذي ينتهز
الفرص ؛ فرصة الصحة ،وفرصة الفراغ.
وفي
هذا دليل على أن نعم الله تتفاوت ، وأن بعضها أكثر من بعض ، وأكبر نعمة
ينعم الله تعالى بها على العبد : نعمة الإسلام ، ونعمة الإسلام التي أضل
الله عنها كثيراً من الناس ، قال الله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً ) (المائدة:3) ، فإذا وجد الإنسان أن الله قد أنعم عليه بالإسلام وشرح الله صدره له ؛ فإن هذه أكبر النعم .
ثم ثانياً: نعمة العقل ،
فإن الإنسان إذا رأى مبتلى في عقله لا يحسن التصرف ، وربما يسيء إلى نفسه
وإلى أهله ؛ حمد الله على هذه النعمة ؛ فإنها نعمة عظيمة.
ثالثاً :
نعمة الأمن في الأوطان ، فإنها من أكبر النعم ، ونضرب لكم مثلاً بما سبق
عن آبائنا وأجدادنا من المخاوف العظيمة في هذه البلاد ، حتى إننا نسمع أنهم
كانوا إذا خرج الواحد منهم إلى صلاة الفجر ؛ لا يخرج إلا مصطحباً سلاحه ؛
لأنه يخشى أن يعتدي عليه أحد ، ثم نضرب مثلاً في حرب الخليج التي مضت في
العام الماضي ؛ كيف كان الناس خائفين ! أصبح الناس يغلقون شبابيكهم بالشمع
خوفاً من شيء متوهم أن يرسل عليهم ، وصار الناس في قلق عظيم ، فنعمة
الأمن لا يشابهها نعمة غير نعمة الإسلام والعقل.
رابعاً :
كذلك مما أنعم الله به علينا ـ ولا سيما في هذه البلاد ـ رغد العيش؛
يأتينا من كل مكان ، فنحن في خير عظيم ولله الحمد ؛ البيوت مليئة من
الأرزاق ، ويقدم من الأرزاق للواحد ما يكفي اثنين أو ثلاثة أو أكثر، هذه
أيضاً من النعم . فعلينا أن نشكر الله سبحانه وتعالى على هذه النعم العظيمة
، وأن نقوم بطاعة الله حتى يمن علينا بزيادة النعم ؛ لأن الله تعالى يقول ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)(إبراهيم:7).