المقالة العشرون : إذا كانت الرياضيات لا تقدم معرفة تجريبية ، ففيم تتمثل قيمتها ؟ استقصاء حر ( غير مطلوب في البكالوريا )
* تعتبر التجربة مقياس أساسي نحكم به على " علمية " أي معرفة من المعارف ،
ومن المعلوم ان الرياضيات علم عقلي بحت ، مجرد تماما عن ماهو محسوس ، لذلك
فهي لا تقدم أي معرفة تجريبية ، والسؤال الذي يطرح هنا ؛ فيم تكمن قيمة
الرياضيات إذا كانت لا تقدم أي معرفة تجريبية ؟
1- إن موضوع الرياضيات هو الكميات العقلية المجردة ، التي تتميز بالثبات
والاستقلالية عن الواقع المحسوس ، ولغتها الرموز من ثوابت ومتغيرات ، وليست
ألفاظ اللغة العادية التي تتصف بالغموض والإبهام . ومنهجها الاستدلال
العقلي ذو الطبيعة الاستنتاجية – الافتراضية ، يراعي فيه الرياضي عدم تناقض
النتائج مع ما يفترضه من قضايا أولية دون الرجوع إلى الواقع الحسي . كما
توصف الرياضيات بالخصوبة نظرا لتعدد فروعها ( كالجبر ، الهندسة ، الهندسة
التحليلية ، نظرية المجموعات ، حساب الاحتمالات .. ) وتعدد أنساقها ( كنسق
إقليدس ، نسق لوباتشوفسكي ، نسق ريمان .. ) دون ان يكون هناك تناقضا بين
هذه الفروع والأنساق . كما تعود خصوبتها إلى طبيعة البرهان الرياضي ، فهو –
بخلاف القياس الأرسطي – يتميز بخاصيتيه التركيبية والتعميمية ، حيث ننتقل
فيه من البسيط إلى المركب ومن الخاص إلى العام .
2- ان الرياضيات وان كانت من العلوم التجريدية فهي لغة العلوم التجريبية ،
وتكمن قيمتها في استعانة العلوم التجريبية بها في صياغة نتائجها . حيث ان
العلوم على اختلافها – سواء الطبيعية منها التي تدرس المادة الجامدة أو
الحية ، أو الإنسانية التي تدرس الإنسان ومختلف مواقفه – تسعى إلى استخدام
الرياضيات في مباحثها ومناهجها وصياغة نتائجها ..
ولقد كانت الرياضيات حتى القرن 17 م منفصلة عن العلوم ، وحينئذ تبيّن – كما
قال " غاليلي " – أن : « الطبيعة مكتوبة بلغة رياضية » ، ومادامت الطبيعة –
التي هي موضوع العلم – مكتوبة كذلك – فإنه لا يصلح لفهم العلاقات التي
تربط بين ظواهرها إلا استعمال لغة الرياضيات ، التي هي – حسب " بوانكاري " –
« اللغة الوحيدة التي يستطيع العاِلم أن يتكلم بها » .. وهكذا بدأت
الرياضيات تغزو العلوم .
فلقد صاغ " غاليلي " قانون سقوط الأجسام صياغة رياضية ( ع = ½ ج x ز2 ) ،
وكذلك فعل " نيوتن في قانون الجاذبية ، لتعرف الفيزياء بعدها استعمالا
واسعا للرياضيات ، كما هو الحال في قوانين السرعة والتسارع و حركة الأجسام .
هذا ، وقد حسب " كبلر " حركة كوكب المريخ حسابا رياضيا ، ليعرف علم الفلك –
هو الأخر – استعمال لغة الرياضيات ، كحساب حركة الكواكب والظواهر مثل
الكسوف والخسوف والمواقيت ..
إضافة إلى ذلك ، فإن الكيمياء ابتداء من " لافوازييه " أصبحت تعبر عن تفاعل
العناصر و عمليات الأكسدة والإرجاع في شكل معادلات رياضية ، كما أصبح
العنصر الكيميائي يعرف بوزنه الذري ..
والأمر نفسه في البيولوجيا ، لاسيما استخدام الإحصاء الرياضي مثلما فعل "
مندل " في قوانين الوراثة . والواقع اليومي يكشف عن استعمال واسع للرياضيات
في البيولوجيا ، وتحديدا في ميدان الطب ، حيث تكمم دقات القلب وعدد كريات
الدم ونسبة السكر ومعدل الضغط ...
ولم يقتصر استعمال الرياضيات على العلوم الطبيعية المادية فحسب ، بل تعداه
إلى العلوم الإنسانية ؛ فلقد تمكن علماء النفس الألمان " فيبر " و"فيخنر "
من صياغة قانون رياضي للإحساس هو قانون العتبة المطلقة والعتبة الفارقة .
كما وضع الفرنسي " بيني " مقياسا رياضيا عاما لدرجة الذكاء ونسبته ، هو
العمر العقلي مقسوما على العمر الزمني مضروبا في 100 . و ذات الأمر في
الاقتصاد والجغرافيا البشرية ؛ حيث يستعمل الإحصاء وحساب الاحتمالات
والتعبير عن النتائج في شكل معادلات رياضية ومنحنيات بيانية ودوائر نسبية .
3- وتكمن قيمة الرياضيات في كونها ساهمت في تطور العلوم ، من مجرد وصف كيفي
للظواهر يعتد على اللغة العادية المبهمة إلى تحديد كم دقيق لها ؛ فالعلوم
لم تبلغ الدقة في فهم ظواهرها ومن ثمّ التنبؤ بها ، إلا بعدما صارت تصوغ
نتائجها صياغة رياضية .
هذا من جهة ، ومن جهة فإن الرياضيات تهيئ للعلم المفاهيم التي يقوم عليها،
مثال ذلك ان "نيوتن" اقتبس مفهوم المكان من المكان الحسي عند "إقليدس" ،
ولولا هندسة "ريمان" لما كانت نسبية "إنشتاين" .
ومن جهة ثالثة ، فإن الرياضيات تسمح باكتشاف القوانين العلمية دون الحاجة
إلى المرور بالملاحظة والتجربة ، مثال ذلك أن حساب العالم " لوفيريي "
لكوكب "أورانيوس" أدى إلى اكتشاف كوكب "نيبتون" ، كما وصل العالم "ماكسويل"
إلى اكتشاف الموجات الكهرومغناطيسية ووضع لها أربع معادلات رياضية أحاطت
بخواصها من حسابات رياضية خالصة ، ولم يتحقق منها العلماء تجريبيا إلا بعد
مرور عشرون سنة .
* وهكذا يتضح ، أن للرياضيات قيمة كبرى باعتبارها لغة العلوم الحديثة ، فهي
وإن كانت لا تقدم أي معرفة تجريبية ، فإنها اللغة التي تستخدمها هذه
العلوم في التعبير عن نتائجها . فالرياضيات تمثل نموذجا للوضوح ومعيارا
للدقة واليقين وطريقا للإبداع ، وهو ما يهدف كل علم إلى بلوغه .
المقالة الواحدة والعشرون : هل الرياضيات علم عقلي بحت ؟ جدلية
طرح المشكلة : تختلف الرياضيات عن العلوم الحسية في كونها تستمد موضوعها من
التصورات الذهنية الإنشائية لقضايا مجردة تتعلق بالمقادير الكمية في حين
أن العلوم الأخرى تقوم على وصف الأشياء الواقعية الحسية الموجودة فعلا . و
هذا يجعل الرياضيات لا تبحث في موضوعاتها من حيث هي معطيات حسية بل من حيث
هي رموز مجردة مجالها التصور العقلي البحت فإذا كان مدار البحث الرياضي هو
المفاهيم أو المعاني أو الرموز الرياضية فهل هذه المعاني أشياء ذهنية من
ابتكار العقل لا غير ؟ أو بمعنى آخر هل الرياضيات إبداع عقلي خالص لا صلة
لها بالتجربة الواقعية ؟
محاولة حل المشكلة :
الأطروحة الأولى والبرهنة عليها : الرياضيات علم عقلي لا صلة له بالواقع :
يرى أنصار الاتجاه العقلي والمثالي أن مبادئ المعرفة فطرية . وأن المفاهيم
الرياضية موجودة في العقل قبليا (أي قبل التجربة) فعملية الجمع , والخط
المستقيم والمثلث هي معاني رياضية حاصلة في العقل بالفطرة . وقد حاول
أفلاطون في محاورة مينون – وهو عبد جاهل للهندسة استطاع أن يكتشف بنفسه كيف
يمكن إنشاء مربع – إثبات أن العلم قائم في النفس بالفطرة , والتعلم مجرد
تذكر له وليس اكتسابا من الواقع , وهو ما نجده عند ديكارت بمعنى يختلف عن
أفلاطون قليلا حيث أن المعاني الفطرية ليست واضحة بذاتها بل حاصلة في النفس
بالاستعداد والقابلية . ولقد انفتحت مع ديكارت آفاق واسعة أمام الرياضيات .
فراحت تحلق في عالم التجريد وتشيد أبراجا ذهنية تزداد بعدا عن الواقع
الحسي , فالأعداد الكسرية , والدائرة ... ليس لها ما يقابلها في عالم
الواقع ... وقد تحولت الرياضيات كلها إلى عمليات جبرية لا تخضع إلا لقواعد
المنطق حتى كادت أن ترد إليه . كما أن الفكر العربي قد اعتبر الموضوعات
الرياضية موضوعات عقلية يتم استخلاصها عن طريق عمليتي التجريد والتعميم وفي
هذا يقول الفارابي :" علم العدد النظري يفحص عن الأعداد على الإطلاق ...
وإن الهندسة النظرية إنما تنظر في خطوط وسطوح وأجسام على الإطلاق والعموم "
... كما كانت للعرب إبداعات عديدة في هذا الميدان حتى أن البعض منها ما
يزال ذا صلة باسم مخترعيه مثلا اللوغاريتم الذي يرتبط باسم الرياضي العربي
الشهير الخوارزمي وهو مخترع علم الجبر .
مناقشة : لكن الرياضيات بمفاهيمها المختلفة وبكل ما تتمتع به من تجريد إلا
أنها ليست مستقلة عن المعطيات الحسية , فالدراسات المتتبعة للفكر الرياضي
تكشف جوانبه التطبيقية .
نقيض الأطروحة والبرهنة : الرياضيات علم يرتبط بالواقع وينطلق منه : يذهب
أنصار الاتجاه الحسي أو التجريبي إلى أن التفكير الرياضي كان مرتبطا
بالواقع وأن الحضارات الشرقية القديمة استخدمت طرقا رياضية في مسح الأراضي
الزراعية وفي الحساب فكانت الرياضيات وليدة الملاحظة والتجربة , فالهندسة
في مصر القديمة نشأت على صورة فن المساحة , كما أن البابليين استخدموا
الهندسة والحساب في تنظيم الملاحة والفلاحة والري .
وهكذا نلاحظ أن الرياضيات كانت في الأصل تجريبية خاضعة لتأثيرات صناعية
عملية وأن الأساس الذي بنى عليه اليونان صرحهم الرياضي النظري هو الرياضيات
العملية التي عرفتها الحضارات الشرقية القديمة . ولعل هذا ما دفع " جون
لوك " إلى الرد على ديكارت بأنه لا وجود لمعاني فطرية في النفس لأن الأطفال
والبله والمتوحشين لا يعرفونها . كما يؤكد " كوندياك " على أن الإحساس هو
المنبع الذي تنبجس منه جميع قوى النفس . مما يعني أن بداية الرياضيات كانت
بداية حسية انطلاقا من تعامل الإنسان مع الأشياء التي تحيط به كالعد
بالأصابع أو الحصي وترتيب الأشكال ثم تدرج شيئا فشيئا في تجريد الأعداد
والأشكال فاكتسبت هذه الأخيرة صورتها المجردة فاستخرج الإنسان قوانينها
فأصبحت علما نظريا , وعليه يكون فن المساحة العملي قد سبق علم الهندسة
النظري , وفن الآلات قد سبق علم الميكانيك . فاهتدى الفكر البشري بصورة
عملية إلى معرفة خواص الأشكال والآلات قبل أن يتوصل إلى البرهان عليها .
مناقشة : لكن التصورات التي تربط كلا من الهندسة والحساب بالتطبيقات
العملية والحاجات الاجتماعية تختلف اختلافا جذريا عن التصور الجديد للعلم
الرياضي الذي أصبح موضوعه ماهيات ذهنية تتمتع بالاستقلال التام عن الواقع .
التركيب : إن الرياضيات كعلوم عقلية نظرية قامت في الأصل على أمور مادية
تجريبية ثم تمكن العقل بعد ذلك من تجريدها وانتزاعها من مادتها تدريجيا
فأصبحت عقلية خالصة . فعالم الهندسة اليوم لا يهمه أن يكون المثلث الذي
يبحث فيه من الخشب أو الحديد بل الذي يعنيه هو المثلث الذي تصوره وعرفه
ووضع له مفهوما يصدق على كل مثلث . يقول جورج سارطون : " إن الرياضيات
المشخصة هي أولى العلوم الرياضية نشوءا , فقد كانت في الماضي تجريبية ثم
تجردت من هذه التأثيرات فأصبحت علما عقليا " .
حل المشكلة : إن الواقع الحسي كان منطلق التفكير الرياضي , فلم يدرك العقل
مفاهيم الرياضيات في الأصل إلا ملتبسة بلواحقها المادية , ولكن هذا التفكير
تطور بشكل مستمر نحو العقلية الخالصة إذ انتزع العقل مادته وجردها من
لواحقها حتى جعل منها مفهوما عقليا محضا مستقلا عن الأمور الحسية التي كانت
ملابسة له وبهذا أصبحت الرياضيات بناء فكري يتم تشييده بواسطة فروض يقع
عليها الاختبار دون النظر إلى صدقها أو كذبها في الواقع , بل الصدق الوحيد
المطلوب هو خلو هذا البناء من أي تناقض داخلي وعليه فالرياضيات علم عقلي .
المقالة الثانية والعشرون : هل معيار الحقيقة في الرياضيات يكمن في البداهة والوضوح أم في أتساق النتائج مع المقدمات ؟
طرح المشكلة : توصف المعرفة الرياضية بالصناعة الصحيحة واليقينية في
منطلقاتها ونتائجها، لكن التساؤل عن معيار اليقين في الرياضيات كشف انه ليس
معيارا واحدا في الرياضيات الإقليدية والرياضيات المعاصرة، ذلك أن
الرياضيات الإقليدية تعتقد جازمة ببداهة ووضوح مبادئها وترى فيها النموذج
الوحيد في الصدق المطلق، أما الرياضي المعاصر فلا تهمه المبادئ ذاتها لأنها
تشكل مقدمات في النسق الرياضي ، بقدر ما يهمه النسق الرياضي في مجمله أي
أن عدم تناقض المقدمات مع النتائج هو معيار اليقين في الرياضيات. وفي ذلك
نطرح السؤال التالي:
هل معيار اليقين في الرياضيات يتمثل في بداهة ووضوح مبادئها أم يتمثل في اتساق نتائجها مع مقدماتها؟
محاولة حل المشكلة :
الأطروحة الأولى : معيار اليقين في الرياضيات يتمثل في بداهة ووضوح مبادئها
أسست الرياضيات الكلاسيكية تاريخيا قبل عصر النهضة بقرون عديدة قبل
الميلاد على يد فيلسوف ورياضي يوناني مشهور اسمه إقليدس (306ق.م/253ق.م)،
إذ سيطرت رياضياته الكلاسيكية على العقل البشري إلى غاية القرن التاسع عشر
الميلادي، حتى ضن العلماء أنها الرياضيات الوحيدة التي تمتاز نتائجها
بالصحة والمطلقية.
اعتمدت الرياضيات الكلاسيكية على مجموعة من المبادئ أو المنطلقات التي لا
يمكن للرياضي التراجع في البرهنة عليها إلى ما لا نهاية، فهي قضايا أولية
وبديهية لا يمكن استخلاصها من غيرها،وهي مبادئ لا تحتاج إلى برهان على
صحتها لأنها واضحة بذاتها من جهة و لأنها ضرورية لقيام المعرفة الرياضية من
جهة أخرى، يستخدمها الرياضي في حل كل قضاياه الرياضية المختلفة، فما هي
هذه المبادئ؟
التعريفات الرياضية : هي أولى القضايا التي يلجأ إليها الرياضي من اجل بناء
معنى رياضي وإعطائه تمييزا يختلف عن غيره من المعاني الرياضية الأخرى، ومن
أهم التعريفات الإقليدية الرياضية، نجد تعريف المثلث بأنه شكل هندسي له
ثلاثة أضلاع متقاطعة مثنى مثنى مجموع زواياه تساوى 180درجة. والنقطة هي شكل
هندسي ليس لها أبعاد، أو هي حاصل التقاء خطين. والخط المستقيم هو امتداد
بدون عرض.
البديهيات : هي قضايا واضحة بذاتها،صحيحة وصادقة بذاتها لا تحتاج إلى دليل
على صحتها برأي الكلاسيكيين، أي لا يمكن للعقل إثباتها أي تفرض نفسها على
العقل بوضوحها لأنها تستند إلى تماسك مبادئ العقل مع ذاته، فهي قضايا قبلية
نشأت في العقل قبل التجربة الحسية، فهي قضايا حدسية يدركها العقل مباشرة
دون برهان أو استدلال، كما أنها قضايا تحليلية موضوعها لا يضيف علما جديدا
إلى محمولها، ومنها بديهيات إقليدس التي تقول:
إن الكل اكبر من الجزء والجزء اصغر من الكل.
الكميتان المساويتان لكمية ثالثة متساويتان.
وبين نقطتين لا يمكن رسم إلا مستقيما واحدا.
وإذا أضيفت كميات متساوية إلى أخرى متساوية تكون النتائج متساوية.
المصادرات : تسمى أحيانا بالأوليات وأحيانا بالموضوعات .وأحيانا بالمسلمات
لان الرياضي هو الذي يضعها فهي إذن قضايا لا نستطيع البرهنة على صحتها
وليست واضحة بذاتها، أي فيها تسليم بالعجز، ولذلك نلجأ إلى التسليم بصحتها.
ومن مصادرات إقليدس نجد:
مثلا من نقطة خارج مستقيم لا نستطيع رسم إلا مستقيما واحدا مواز للمستقيم الأول.
المستقيمان المتوازيان مهما امتدا لا يلتقيان.
المكان سطح مستوي درجة انحنائه يساوي صفر وله ثلاثة إبعاد هي الطول والعرض والارتفاع.
مجموع زوايا المثلث تساوى قائمتين.
وتسمى هذه المبادئ في مجموعها بالمبادئ الرياضية الكلاسيكية أو بمبادئ
النسق الاكسيوماتيكى نسبة إلى كلمة أكسيوم والتي تعنى في العربية البديهية.
وهو نسق قائم على التمييز بين هذه المبادئ الثلاثة.
نقد : إن الهندسة الكلاسيكية التي كانت حتى القرن 19 مأخوذة كحقيقة رياضية
مطلقة، أصبحت تظهر كحالة خاصة من حالات الهندسة وما كان ثابتا ومطلقا أصبح
متغيرا ونسبيا،وفي هذا المعنى يقول بوليغان (( إن كثرة الأنظمة في الهندسة
لدليل على إن الرياضيات ليس فيها حقائق مطلقة.)). فما هي هذه الأنظمة التي
نزعت من الرياضيات الكلاسيكية صفة اليقين المطلق؟
الأطروحة الثانية: معيار اليقين في الرياضيات يتمثل في اتساق النتائج مع
المقدمات :قد حاول الرياضيون في مختلف العصور أن يناقشوا مبادئ الهندسة
الإقليدية، ولم يتمكنوا منها إلا في العصر الحديث، وهي أطروحة ترى أن معيار
الصدق في الرياضيات لا يتمثل في وضوح المبادئ و بداهتها ولكن يتمثل في مدى
انسجام وتسلسل منطقي بين الافتراضات أو المنطلقات وبين النتائج المترتبة
عنها، وهي أطروحة حديثة تتعرض بالنقد والتشكيك في مبادئ ونتائج الرياضيات
الكلاسيكية. أطروحة مثلها الفرنسي روبير بلا نشي والروسي لوبا تشيفسكي و
الألماني ريمان. فما هي هذه الانتقادات والشكوك؟
انتقد الفرنسي روبير بلا نشى في كتابه(الأكسيوماتيكا) المبادئ الثلاثة للرياضيات الكلاسيكية:
• التعريفات الإقليدية ووصفها بأنها تعريفات لغوية لا علاقة لها بالحقيقة
الرياضية فهي تعريفات نجدها في المعاجم اللغوية فهي بذلك لاتهم إلا اللغة.
• هي تعريفات وصفية حسية تصف المكان الهندسي كما هو موجود حسيا في ارض
الواقع وهى بذلك تعريفات تشبه إلى حد بعيد التعريفات في العلوم الطبيعية.
• هي تعريفات لا نستطيع الحكم عليها بأنها صحيحة أو خاطئة فإذا اعتبرناها
نظرية وجب البرهنة عليها، وإذا لم نقدر على ذلك وجب اعتبارها مصادرة، وهذا
معناه أن التعريفات الإقليدية في حقيقتها عبارة عن مصادرات.
• انتقد بلا نشى أيضا بديهية إقليدس (الكل اكبر من الجزء) معتبرا أنها
بديهية خاطئة وليست صحيحة، إذ ثبت أنها صحيحة فقط في المجموعات المنتهية.
• انتقد بلا نشى البديهية أيضا معتبرا أنها صحيحة وصادقة ولا تحتاج إلى
برهان في المنطق القديم لكن في الرياضيات المعاصرة البديهيات قضايا يجب
البرهنة على صحتها وإذا لم نتمكن من ذلك وجب اعتبارها مسلمة أي مصادرة.
• أما المصادرات فباعتبارها مسلمات أو موضوعات لا نستطيع البرهنة عليها
ففيها تسليم بالعجز، من هنا يعتبر بلانشى إن أنسب مبدأ للرياضيات هو مبدأ
المصادرات أي المسلمات أو الفرضيات.
• من هنا فأن هندسة إقليدس لم تعد توصف بالكمال المطلق، ولا تمثل اليقين
الفكري الذي لا يمكن نقضه، لقد أصبحت واحدة من عدد غير محدود من الهندسات
الممكنة التي لكل منها مسلماتها الخاصة بها.
• من هذا المنطلق ظهرت في القرن التاسع عشر أفكارا رياضية هندسية جديدة
تختلف عن رياضيات إقليدس وسميت بنظرية النسق الاكسيوماتيكى أو بالهندسات
اللاإقليدية ، وتجلى ذلك بوضوح من خلال أعمال العالمين الرياضيين لوبا
تشيفسكي الروسي وريمان الألماني.
في سنة 1830م شكك العالم الرياضي الروسي لوباتشيفسكى في مصادرات إقليدس
السابق ذكرها وتمكن من الاهتداء إلى الأساس الذي بنيت عليه، وهو المكان
الحسي المستوى، وهكذا تصور مكانا أخر يختلف عنه وهو المكان المقعر أي الكرة
من الداخل، وفى هذه الحالة تمكن من الحصول على هندسة تختلف عن هندسة
إقليدس، أي من خلال هذا المكان أعلن لوباتشيفسكى انه بإمكاننا أن نرسم
متوازيات كثيرة من نقطة خارج مستقيم، والمثلث تصير مجموع زواياه اقل من 180
درجة.
وفي سنة 1854م شكك ا الألماني ريمان و الأخر في مصادرات إقليدس وتمكن من
نقضها على أساس أخر، فتصور المكان محدودبا أي الكرة من الخارج واستنتج
بناءا على ذلك هندسة جديدة ترى انه لا يمكن رسم أي مواز من نقطة خارج
مستقيم، وكل مستقيم منتهى لأنه دائري وجميع المستقيمات تتقاطع في نقطتين
فقط والمثلث مجموع زواياه أكثر من 180درجة.
النقد :
إذا كانت الرياضيات المعاصرة قد أسقطت فكرة البداهة والوضوح والكمال
واليقين والمطلقية في الرياضيات الكلاسيكية، وإذا كان الرياضي المعاصر حر
في اختيار مقدمات برهانه فهذا لا يعني أن يتعسف في اختياره ووضعها بل يجب
أن يخضع في وضعها إلى شروط منطقية صارمة تنسجم فيها هذه المقدمات مع
نتائجها انسجاما منطقيا ضروريا.
التركيب : من خلال ما سبق عرضه نلاحظ أن تعدد الأنساق الرياضية لا يقضي على
يقين كل واحد منها، فكل هندسة صادقة صدقا نسقيا إذا أخذت داخل النسق الذي
تنتمي إليه وفي هذا المعنى يقول الفرنسي روبير بلا نشى " أما بالنسبة
للأنساق في حد ذاتها فلم يعد الأمر يتعلق بصحتها أو بفسادها اللهم إلا
بالمعنى المنطقي للانسجام أو التناقض الداخلي، والمبادئ التي تحكمها ليست
سوى فرضيات بالمعنى الرياضي لهذا المصطلح."
حل المشكلة :م ن خلال ما سبق نستنتج ما يلي:
• إن الرياضيات الإقليدية لم تعد توصف بالكمال والمطلقية، ولم تعد تمثل
اليقين الرياضي الوحيد الذي لا يمكن نقضه، بل غدت واحدة من عدد غير محدود
من الهندسات الممكنة التي لكل منها مسلماتها الخاصة بها. ولذلك فأن تعدد
الأنساق الرياضية هو دليل على خصوبة الفكر في المجال الرياضي وليس التعدد
عيبا ينقص من قيمتها أو يقينها.
• كما أن المعرفة الرياضية لا تكتسي الصفة اليقينية المطلقة إلا في سياق
منطلقاتها ونتائجها، وهذه الصفة تجعل من حقائقها الرياضية حقائق نسقية.
• كما أن البرهنة في الرياضيات انطلقت من منطق استنتاجي يعتقد في صدق مبادئه ومقدماته إلى منطق فرضي يفترض صدق مبادئه ومقدماته.
الموضوع الثالثة والعشرون : هل يمكن إخضاع المادة الحية للمنهج التجريبي على غرار المادة الجامدة ؟ جدلية
I- طرح المشكلة :تختلف المادة الحية عن الجامدة من حيث طبيعتها المعقدة ،
الأمر الذي جعل البعض يؤمن ان تطبيق خطوات المنهج التجريبي عليها بنفس
الكيفية المطبقة في المادة الجامدة متعذرا ، ويعتقد آخرون ان المادة الحية
كالجامدة من حيث مكوناتها مما يسمح بإمكانية إخضاعها للدراسة التجريبية ،
فهل يمكن فعلا تطبيق المنهج التجريبي على المادة الحية على غرار المادة
الجامدة ؟
II– محاولة حل المشكلة :
1- أ- الأطروحة :يرى البعض ، أنه لا يمكن تطبيق المنهج التجريبي على
الظواهر الحية بنفس الكيفية التي يتم فيها تطبيقه على المادة الجامدة ، إذ
تعترض ذلك جملة من الصعوبات والعوائق ، بعضها يتعلق بطبيعة الموضوع المدروس
ذاته وهو المادة الحية ، وبعضها الأخر إلى يتعلق بتطبيق خطوات المنهج
التجريبي عليها .
1-ب- الحجة : ويؤكد ذلك ، أن المادة الحية – مقارنة بالمادة الجامدة –
شديدة التعقيد نظرا للخصائص التي تميزها ؛ فالكائنات الحية تتكاثر عن طريق
التناسل للمحافظة على النوع والاستمرار في البقاء . ثم إن المحافظة على
توازن الجسم الحي يكون عن طريق التغذية التي تتكون من جميع العناصر
الضرورية التي يحتاجها الجسم . كما يمر الكائن الحي بسلسلة من المراحل التي
هي مراحل النمو ، فتكون كل مرحلة هي نتيجة للمرحلة السابقة وسبب للمرحلة
اللاحقة . هذا ، وتعتبر المادة الحية مادة جامدة أضيفت لها صفة الحياة من
خلال الوظيفة التي تؤديها ، فالكائن الحي يقوم بجملة من الوظائف تقوم بها
جملة من الأعضاء ، مع تخصص كل عضو بالوظيفة التي تؤديها وإذا اختل العضو
تعطلت الوظيفة و لا يمكن لعضو آخر أن يقوم بها . وتتميز الكائنات الحية –
أيضا – بـالوحدة العضوية التي تعني ان الجزء تابع للكل ولا يمكن أن يقوم
بوظيفته إلا في إطار هذا الكل ، وسبب ذلك يعود إلى أن جميع الكائنات الحية –
باستثناء الفيروسات – تتكون من خلايا .
بالإضافة إلى الصعوبات المتعلقة بطبيعة الموضوع ، هناك صعوبات تتعلق
بالمنهج المطبق وهو المنهج التجريبي بخطواته المعروفة ، وأول عائق يصادفنا
على مستوى المنهج هو عائق الملاحظة ؛ فمن شروط الملاحظة العلمية الدقة
والشمولية ومتابعة الظاهرة في جميع شروطها وظروفها ومراحلها ، لكن ذلك يبدو
صعبا ومتعذرا في المادة الحية ، فلأنها حية فإنه لا يمكن ملاحظة العضوية
ككل نظرا لتشابك وتعقيد وتداخل وتكامل وترابط الأجزاء العضوية الحية فيما
بينها ، مما يحول دون ملاحظتها ملاحظة علمية ، خاصة عند حركتها أو أثناء
قيامها بوظيفتها . كما لا يمكن ملاحظة العضو معزولا ، فالملاحظة تكون ناقصة
غير شاملة مما يفقدها صفة العلمية ، ثم ان عزل العضو قد يؤدي إلى موته ،
يقول أحد الفيزيولوجيين الفرنسيين : «إن سائر أجزاء الجسم الحي مرتبطة فيما
بينها ، فهي لا تتحرك إلا بمقدار ما تتحرك كلها معا ، والرغبة في فصل جزء
منها معناه نقلها من نظام الأحياء إلى نظام الأموات».
ودائما على مستوى المنهج ، هناك عائق التجريب الذي يطرح مشاكل كبيرة ؛ فمن
المشكلات التي تعترض العالم البيولوجي مشكلة الفرق بين الوسطين الطبيعي
والاصطناعي ؛ فالكائن الحي في المخبر ليس كما هو في حالته الطبيعية ، إذ أن
تغير المحيط من وسط طبيعي إلى شروط اصطناعية يشوه الكائن الحي ويخلق
اضطرابا في العضوية ويفقد التوازن .
ومعلوم ان التجريب في المادة الجامدة يقتضي تكرار الظاهرة في المختبر
للتأكد من صحة الملاحظات والفرضيات ، وإذا كان الباحث في ميدان المادة
الجامدة يستطيع اصطناع وتكرار الظاهرة وقت ما شاء ، ففي المادة الحية يتعذر
تكرار التجربة لأن تكرارها لا يؤدي دائما إلى نفس النتيجة ، مثال ذلك ان
حقن فأر بـ1سم3 من المصل لا يؤثر فيه في المرة الأولى ، وفي الثانية قد
يصاب بصدمة عضوية ، والثالثة تؤدي إلى موته ، مما يعني أن نفس الأسباب لا
تؤدي إلى نفس النتائج في البيولوجيا ، وهو ما يلزم عنه عدم إمكانية تطبيق
مبدأ الحتمية بصورة صارمة في البيولوجيا ، علما ان التجريب وتكراره يستند
إلى هذا المبدأ .
وبشكل عام ، فإن التجريب يؤثر على بنية الجهاز العضوي ، ويدمر أهم عنصر فيه وهو الحياة .
ومن العوائق كذلك ، عائق التصنيف و التعميم ؛ فإذا كانت الظواهر الجامدة
سهلة التصنيف بحيث يمكن التمييز فيها بين ما هو فلكي أو فيزيائي أو جيولوجي
وبين أصناف الظواهر داخل كل صنف ، فإن التصنيف في المادة الحية يشكل عقبة
نظرا لخصوصيات كل كائن حي التي ينفرد بها عن غيره ، ومن ثمّ فإن كل تصنيف
يقضي على الفردية ويشوّه طبيعة الموضوع مما يؤثر سلبا على نتائج البحث .
وهذا بدوره يحول دون تعميم النتائج على جميع أفراد الجنس الواحد ، بحيث ان
الكائن الحي لا يكون هو هو مع الأنواع الأخرى من الكائنات ، ويعود ذلك
إلى الفردية التي يتمتع بها الكائن الحي .
1-جـ- النقد : لكن هذه مجرد عوائق تاريخية لازمت البيولوجيا عند بداياتها
ومحاولتها الظهور كعلم يضاهي العلوم المادية الأخرى بعد انفصالها عن
الفلسفة ، كما ان هذه العوائق كانت نتيجة لعدم اكتمال بعض العلوم الأخرى
التي لها علاقة بالبيولوجيا خاصة علم الكيمياء .. وسرعان ما تمّ تجاوزها .
2-أ- نقيض الأطروحة :وخلافا لما سبق ، يعتقد البعض أنه يمكن إخضاع المادة
الحية إلى المنهج التجريبي ، فالمادة الحية كالجامدة من حيث المكونات ،
وعليه يمكن تفسيرها بالقوانين الفيزيائية- الكيميائية أي يمكن دراستها بنفس
الكيفية التي ندرس بها المادة الجامدة . ويعود الفضل في إدخال المنهج
التجريبي في البيولوجيا إلى العالم الفيزيولوجي (كلود بيرنار) متجاوزا بذلك
العوائق المنهجية التي صادفت المادة الحية في تطبيقها للمنهج العلمي .
2-ب- الأدلة : وما يثبت ذلك ، أنه مادامت المادة الحية تتكون من نفس عناصر
المادة الجامدة كالأوكسجين والهيدروجين والكربون والازوت والكالسيوم
والفسفور ... فإنه يمكن دراسة المادة الحية تماما مثل المادة الجامدة .
هذا على مستوى طبيعة الموضوع ، أما على مستوى المنهج فقد صار من الممكن
القيام بالملاحظة الدقيقة على العضوية دون الحاجة إلى فصل الأعضاء عن بعضها
، أي ملاحظة العضوية وهي تقوم بوظيفتها ، وذلك بفضل ابتكار وسائل الملاحظة
كالمجهر الالكتروني والأشعة والمنظار ...
كما أصبح على مستوى التجريب القيام بالتجربة دون الحاجة إلى إبطال وظيفة
العضو أو فصله ، وحتى و إن تمّ فصل العضو الحي فيمكن بقائه حيا مدة من
الزمن بعد وضعه في محاليل كيميائية خاصة .
2-جـ- النقد : ولكن لو كانت المادة الحية كالجامدة لأمكن دراستها دراسة
علمية على غرار المادة الجامدة ، غير ان ذلك تصادفه جملة من العوائق
والصعوبات تكشف عن الطبيعة المعقدة للمادة الحية . كما انه إذا كانت
الظواهر الجامدة تفسر تفسيرا حتميا وآليا ، فإن للغائية اعتبار وأهمية في
فهم وتفسير المادة الحية ، مع ما تحمله الغائية من اعتبارات ميتافيزيقية قد
لا تكون للمعرفة العلمية علاقة بها .
3- التركيب : وبذلك يمكن القول أن المادة الحية يمكن دراستها دراسة العلمية
، لكن مع مراعاة طبيعتها وخصوصياتها التي تختلف عن طبيعة المادة الجامدة ،
بحيث يمكن للبيولوجيا ان تستعير المنهج التجريبي من العلوم المادية الأخرى
مع الاحتفاظ بطبيعتها الخاصة ، يقول كلود بيرنار : «لابد لعلم البيولوجيا
أن يأخذ من الفيزياء والكيمياء المنهج التجريبي ، مع الاحتفاظ بحوادثه
الخاصة وقوانينه الخاصة » .
III- حل المشكلة : وهكذا يتضح ان المشكل المطروح في ميدان البيولوجيا على
مستوى المنهج خاصة ، يعود أساسا إلى طبيعة الموضوع المدروس و هو الظاهرة
الحية ، والى كون البيولوجيا علم حديث العهد بالدراسات العلمية ، و يمكنه
تجاوز تلك العقبات التي تعترضه تدريجيا .
المقالة الرابعة والعشرين : هل يمكن إخضاع الظاهرة الإنسانية للتجريب
طرح المشكلة : تعتبر الظواهر الطبيعية من أكثر الظواهر استعمالا التجريب
وبقدر ما تتعقد الظاهرة أكثر بقدر ما يصعب التجريب عليها ومن الأكثر
الظواهر تعقيدا الظاهرة الإنسانية فمادام الإنسان يتأثر ويؤثر في الآخرين
وهو بذلك يتغير من حال إلى حال آخر ولا يبقى حول وتيرة واحدة وحولها ظهر
خلال حاد بين المفكرين والفلاسفة موقف يرى أن العلوم الإنسانية بإمكانها أن
تخضع إلى التجريب والبعض الآخر يرى باستحالة التجريب على العلوم الإنسانية
والإشكالية المطروحة هل يمكن إخضاع الظاهرة الإنسانية إلى التجريب ؟
محاولة حل المشكلة:
- الأطروحة والبرهنة : عرض منطوق المذهب الأول وذكر بعض ممثليه
يمكن إخضاع الظاهرة الإنسانية للتجريب وتمثله كل من مالك بن النبي وابن
خلدون حيث ذهبوا بالقول إن التجربة أمر ممكن على الظاهرة الإنسانية فهي جزء
من الظاهرة الطبيعية ثم سهولة التجربة عليها ودراسة هذه الظاهرة دراسة
العلمية ودليلهم على ذلك إن هناك الكثير من الدراسات النفسية والاجتماعية
والتاريخية فالدراسة تدل على ومن ثم يستعمل التجربة وهي دراسات علمية خالية
من الذاتية وهذا ما نجده عند ابن خلدون والمالك بن النبي وكذلك إن
الملاحظة أمرممكن في الظاهرة الإنسانية لأنها ليست نفس الملاحظة المستعملة
في الظواهر الطبيعية الأخرى فالملاحظة المستعملة هنا هي ملاحظة غير مباشرة
بمعنى أن الباحث يعود إلى الآثار المادية والمعنوية التي لها صلة بالظاهرة
المدروسة كذلك إن التجريب في العلوم الإنسانية يختلف عنه في العلوم
الطبيعية ففي هاته العلوم يكون التجريب اصطناعي لكن في العلوم الإنسانية
فيكون حسب ما تحتويه الظاهرة فالمثل الحوادث التاريخية يكون التجريب عليها
عن طريق دراسة المصادر التاريخية الخاصة بهذه الظاهرة وتحليلها وتركيبها
إضافة إلى هذا المبدأ السببي المتوفر في الظاهرة الإنسانية لأنها لا تحدث
بدون سبب بمعناه أنها ظواهر غير قابلة للمصادفة مثلا سبب حدوث الثورة
الجزائرية الاستعمار الذي يقيد الحريات أما مبدأ الحتمية فهو نسبي في هذه
العلوم لأنها اليوم كيفية وليست كمية وتعدم وجود مقياس دقيق ومن الصعب أن
يقف العالم موقف حياديا في العلوم الإنسانية ولكن هذا لا يعني انه لاستطيع
أن يتحرر من أهوائه ورغباته والواقع
النقد: مهما حاولت العلوم الإنسانية تحقيق نتائج إلى أنها تبقى تفتقر إلى
اليقين والدقة لان القياس أمر صعب التحقيق عليها إضافة إلى تدخل ذات الباحث
في التفسير .
- نقيض الأطروحة والبرهنة : عرض منطوق المذهب الثاني وذكر بعض ممثليه :
استحالة التجريب على الظواهر الإنسانية يرى أنصار هذا التجريب غير ممكن على
الظواهر الإنسانية لان الظواهر لا يمكن دراستها دراسة علمية فهي ترفض كل
تطبيق تجريبي نظرا لطبيعة موضوعها وتمييزها بالتعقيد مستدلين على ذلك بأدلة
والحجج أن العلوم الإنسانية تختص بالظواهر التي تتعلق بدراسة الإنسان فقط
وبالتالي يكون الإنسان دارس ومدروس في نفس الوقت وهذا أمر صعب فهي علوم لا
تتوفر على الموضوعية نظرا إلى طغيان التفسيرات الذاتية الخاصة بميول ورغبات
الإنسان وهذا يؤدي إلى عدم الإقرار في حقيقة الموضوع ومن ثم تكون الملاحظة
والتجربة أمرا غير ممكن في العلوم الإنسانية لان ظواهرها مرتبطة بزمان
والمكان عدم تكرار التجربة يجعلها مستحيلة في هذه العلوم فهي ظواهر متغيرة
ومعقدة وغير قابلة للتجزيء إضافة إلى هذه العوائق هناك عوائق أخرى تتمثل في
تدخل معتقدات وتقاليد المجتمع في شخصية الباحث مما يجعه مقيد بها فعلوم
المادة تختلف عن علوم الإنسانية نظرا لعدم تكرار الظاهرة الإنسانية وفي نفس
الوقت وفقا للشروط والظروف المحددة هذا ما جعل صعوبة الدقة في التنبؤ لأنه
إذا ما تمكن من ذلك استطاع أن يؤثر على هذه الظواهر لإبطال حدوثها أو على
الأقل التأكد من حدوثها إن تعقد الظاهرة الإنسانية وتشابكها أدى إلى
استحالة إخضاعها للمبدأ الحتمية وبالتالي صعوبة التنبؤ بما سيحدث في
المستقبل .
لكن التجريب ممكن على الظواهر الإنسانية وذلك لان العلوم الطبيعية تختلف عن العلوم الإنسانية من خلال الموضوع والمنهج.
- التركيب : إن الظاهرة الإنسانية يمكن إخضاعها إلى التجريب لكن المفهوم
يختلف عن العلوم الطبيعية وإذا كان المنهجان يختلفان في الخطوات فإنهما
يتفقان في النتائج
حل المشكلة : ما نستنتجه مما سبق /إن التجريب ممكن على العلوم الإنسانية
لكن هناك بعض العوائق وذلك راجع إلى المنهج أو الموضوع بحد ذاته بحد ذاته.
المقالة الخامسة والعشرين : هل للتاريخ مقعدا بين العلوم الأخرى ؟
طرح المشكلة : إن العلوم الإنسانية هي مجموع الاختصاصات التي تهتم بدراسة
مواقف الإنسان وأنماط سلوكه , وبذلك فهي تهتم بالإنسان , حيث يهتم علم
النفس بالبعد الفردي في الإنسان ويهتم علم الاجتماع بالبعد الاجتماعي ,
ويهتم التاريخ بالبعدين الفردي والاجتماعي معا لدى الإنسان , فالتاريخ هو
بحث في أحوال البشر الماضية في وقائعهم وأحداثهم وظواهر حياتهم وبناء على
هذا فإن الحادثة التاريخية تتميز بكونها ماضية ومن ثمة فالمعرفة التاريخية
معرفة غير مباشرة لا تعتمد على الملاحظة ولا على التجربة ، الأمر الذي يجعل
المؤرخ ليس في إمكانه الانتهاء إلى وضع قوانين عامة والعلم لا يقوم إلا
على قوانين كلية وعلى هذا الأساس فهل هذه الصعوبات تمنع التاريخ من أن يأخذ
مكانه بين مختلف العلوم الأخرى ؟ أو بمعنى آخر هل خصوصية الحادثة
التاريخية تمثل عائقا أمام تطبيق الأساليب العلمية في دراستها ؟
محاولة حل المشكلة :
الأطروحة والبرهنة عليها : التاريخ ليس علما وحوادثه لا تقبل الدراسة
العلمية : يذهب بعض المفكرين إلى أن الحوادث التاريخية لا تخضع للدراسة
العلمية لأن الخصائص التي تقوم عليها الحادثة التاريخية تمثل عائقا أمام
تطبيق الأساليب العلمية في دراستها , ومن هذه الخصائص أن الحادثة التاريخية
حادثة إنسانية تخص الإنسان دون غيره من الكائنات , واجتماعية لأنها لا
تحدث إلا في مجتمع إنساني فالمؤرخ لا يهتم بالأفراد إلا من حيث ارتباطهم
وتأثير في حياة الجماعة , وهي حادثة فريدة من نوعها لا تتكرر , محدودة في
الزمان والمكان ... وبناء على هذه العوائق التي تقف أمام تطبيق الدراسة
العلمية في التاريخ قامت اعتراضات أساسية على القول أمام تطبيق الدراسة
العلمية في التاريخ قامت اعتراضات أساسية على القول بأن التاريخ علم منها :
انعدام الملاحظة المباشرة للحادثة التاريخية كون حوادثها ماضية وهذا على
خلاف الحادث العلمي في الظواهر الطبيعية فإنه يقع تحت الملاحظة المباشرة ,
ثم استحالة إجراء التجارب في التاريخ وهو ما يجعل المؤرخ بعيدا عن إمكانية
وضع قوانين عامة , فالعلم لا يقوم إلا على الأحكام الكلية كما يقول أرسطو :
" لا علم إلا بالكليات " . هذا بالإضافة إلى تغلب الطابع الذاتي في
المعرفة التاريخية لأن المؤرخ إنسان ينتمي إلى عصر معين ووطن معين ...الخ ,
وهذا يجعله يسقط ذاتيته بقيمها ومشاغلها على الماضي الذي يدرسه ثم إن كلمة
علم تطلق على البحث الذي يمكن من التنبؤ في حين أن نفس الشروط لا تؤدي إلى
نفس النتائج وبالتالي لا قدرة على التنبؤ بالمستقبل في التاريخ .
مناقشة : إنه مما لا شك فيه أن هذه الاعتراضات لها ما يبررها من الناحية
العلمية خاصة غير أنه ينبغي أن نؤكد بأن هذه الاعتراضات لا تستلزم الرفض
القاطع لعملية التاريخ لأن كل علم له خصوصياته المتعلقة بالموضوع وبالتالي
خصوصية المنهج المتبع في ذلك الموضوع فهناك بعض المؤرخين استطاعوا أن
يكونوا موضوعيين إلى حد ما وان يتقيدوا بشروط الروح العلمية .
نقيض الأطروحة والبرهنة : التاريخ علم يتوخى الوسائل العلمية في دراسة
الحوادث الماضية : يذهب بعض المفكرين إلى القول بأن الذين نفوا أن تكون
الحوادث التاريخية موضوعا للعلم لم يركزوا إلا على الجوانب التي تعيق
الدراسة العلمية لهذه الحوادث فالظاهرة التاريخية لها خصوصياتها فهي تختلف
من حيث طبيعة موضوعها عن العلوم الأخرى , وبالتالي من الضروري أن يكون لها
منهج يخصها . وهكذا أصبح المؤرخون يستعملون في بحوثهم منهجا خاصا بهم وهو
يقترب من المنهج التجريبي ويقوم على خطوط كبرى هي كالآتي :
أ- جمع المصادر والوثائق : فبعد اختيار الموضوع يبدأ المؤرخ بجمع الوثائق
والآثار المتبقية عن الحادث فالوثائق هي السبيل الوحيد إلى معرفة الماضي
وفي هذا يقول سنيويوس : " لا وجود للتاريخ دون وثائق , وكل عصر ضاعت وثائقه
يظل مجهولا إلى الأبد " .
ب- نقد المصادر والوثائق : فبعد الجمع تكون عملية الفحص والنظر و التثبت من
خلو الوثائق من التحريف والتزوير , وهو ما يعرف بالتحليل التاريخي أو
النقد التاريخي وهو نوعان : خارجي ويهتم بالأمور المادية كنوع الورق والخط
.. وداخلي يهتم بالمضمون
ج- التركيب الخارجي : تنتهي عملية التحليل إلى نتائج جزئية مبعثرة يعمل
المؤرخ على تركيبها في إطارها الزمكاني فيقوم بعملية التركيب مما قد يترتب
عن ذلك ظهور فجوات تاريخية فيعمل على سدها بوضع فروض مستندا إلى الخيال
والاستنباط ثم يربط نتائجه ببيان العلاقات التي توجد بينهما وهو ما يعرف
بالتعليل التاريخي . وعليه فالتاريخ علم يتوخى الوسائل العلمية للتأكد من
صحة حوادث الماضي .
مناقشة : انه مما لا شك فيه أن علم التاريخ قد تجاوز الكثير من الصعوبات
التي كانت تعوقه وتعطله ولكن رغم ذلك لا يجب أن نبالغ في اعتبار الظواهر
التاريخية موضوعا لمعرفة علمية بحتة , كما لا يجب التسليم بأن الدراسات
التاريخية قد بلغت مستوى العلوم الطبيعية بل الحادث التاريخي حادث إنساني
لا يستوف كل شروط العلم .
التركيب : إن للحادثة التاريخية خصائصها مثلما للظاهرة الحية أو الجامدة
خصائصها وهذا يقتضي اختلافا في المنهج وهذا جعل من التاريخ علما من نوع خاص
ليس علما استنتاجيا كالرياضيات وليس استقرائيا كالفيزياء و إنما هو علم
يبحث عن الوسائل العلمية التي تمكنه من فهم الماضي وتفسيره وعلى هذا الأساس
فإن القول بأن التاريخ لا يمكن أن يكون لها علما لأنه يدرس حوادث تفتقر
إلى شروط العلم أمر مبالغ فيه , كما أن القول بإمكان التاريخ أن يصبح علما
دقيقا أمر مبالغ فيه أيضا وعليه فإن الحوادث التاريخية ذات طبيعة خاصة ,
مما استوجب أن يكون لها منهجا خاصا بها .
حل المشكلة : العلم طريقة في التفكير ونظام في العلاقات أكثر منه جملة من
الحقائق . إذ يمكن للمؤرخ أن يقدم دراسة موضوعية فيكون التاريخ بذلك علما ,
فالعلمية في التاريخ تتوقف على مدى التزام المؤرخ بالشروط الأساسية للعلوم
. وخاصة الموضوعية وعليه فإن مقعد التاريخ بين العلوم الأخرى يتوقف على
مدى التزام المؤرخين بخصائص الروح العلمية والاقتراب من الموضوعية.
المقالة السادسة والعشرون : هل يستطيع المؤرخ أن يتجاوز العوائق التي تمنعه من تحقيق
المقدمة : إذا كانت المعرفة العلمية متوقفة وملتزمة بشروط . والموضوعية
إحدى هذه الشروط والتي نجد صعوبة في تفسيرها لعدم تخلص المؤرخ من نظرة
الذاتية التي يفرضها عهده أو ظنه أو الطبقة التي ينتمي إليها فهو لا يستطيع
أن يعيش الحادثة الماضية إلا من خلال القيم والاهتمامات السائدة لديه
والسؤال الذي يطرح نفسه فهل بإمكان المؤرخ أن يتجاوز العوائق التي تمنعه من
تحقيقها؟
الموقف الأول : إن المؤرخ عندما يكتب التاريخ لا يستطيع أن يتخلص من التعسف
في الاختيار الذي يخص به بعض الحوادث دون بعضها إذ معياره الوحيد في
التمييز بين المهم والأهم إنما الاهتمام الذي يوليه لنوعيتها وهذا الاهتمام
نفسه قد يكون شخصيا وقد يكون جماعيا بحيث أن قيمة الحوادث التاريخية إنما
تستمد حقيقتها من القيم التي يؤمن بها المؤرخ على حدة أو التي يفرضها عليه
المجتمع الذي ينتمي إليه فقد أصبحنا اليوم نهتم بالحوادث التاريخية ذات
الطابع الجماعي الذي يتجلى فيها مفعول الجماعة كلها بينما كان أسلافنا
يولون اهتمامهم الأكبر إلى أعمال الأفراد من ملوك وأمراء كما صرنا اليوم
نميل إلى العناية بالحوادث الاقتصادية بالماضي في حين كان الجل من أسلافنا
لا تلفت أنظارهم إلى الحوادث الدينية ولعلنا لا نخرج عن جادة الصواب إذا ما
قلنا أن المؤرخين الاستعماريين الذين كتبوا تاريخ المستعمرات إنما كتبوا
في الواقع تاريخ النظام الاستعماري الحاكم فقد سجلوا آثار النظام
الاستعماري مما سجلوا تأثر المستعمرين المحكومين بهذا النظام ومعاناتهم له
كما أنهم عمدوا إلى إبراز مزايا النظام الاستعماري وأهملوا بصفة شعورية أو
لا شعورية معاناة المحكومين لهذا النظام والصعوبات التي وضعت أمامهم للتحرر
من السلطة الأجنبية في حين أن أهالي البلاد المستعمرة لا يرون في مراكز
التعمير ومظاهره إلا وسائل مشؤومة لإخضاعهم والسيطرة عليهم فهذا المثال
البسيط يعطينا فكرة واضحة عن حدود الموضوعية في التاريخ و يبين لنا أنها
حدود ضيقة جدا حتى إذا ما تجاوزنا هذا النوع من الأمثلة إلى النظرة العامة
التي ينظر بها المؤرخ إلى الحوادث التاريخية وجدناه لا يستطيع أن يأخذ من
التاريخ أي عبرة لأنه لا يستمد فلسفته ولا قيمه من التاريخ بل هو الذي يضفي
هذه الفلسفة وهذه القيم على التاريخ مما جعل النازيين والصهيونيين يرون أن
لكل جيل الحق في النظر إلى التاريخ نظرة تتفق مع حاجاته الوطنية وفي هذا
دلالة كافية على الدور الهام الذي تقوم به النزعة الذاتية في النظر إلى
الحوادث التاريخية مما يتعين معه على المؤرخ النزيه أن يكون أشد يقظة
وانتباها إلى المزالق التي تعترض سبيله .
النقد: صحيح أن المؤرخ تعترضه بعض الصعوبات والعقبات في سبيل تحقيق
الموضوعية لكن لماذا لا تكون هذه العقبات حافزا له يدفعه إلى الحذر واتخاذ
الاحتياطات اللازمة لبلوغ الهدف مجردا من كل طابع ذاتي ثم إن تطور المناهج
قلل من شأن هذه العوائق وصارت الموضوعية أمرا ممكن التحقيق.
الموقف الثاني : ذا كانت الحادثة التاريخية تفلت من الملاحظات المباشرة
فإنها تترك آثاراً ووثائق يستطيع بها المؤرخ أن يبنيها من جديد وغالبا ما
تكون هذه الوثائق متملكة في الأخبار قدوتها الأجيال السالفة غير أن الأخبار
كما يقول ابن خلدون " إذا اعتمد فيها على مجرد النقل ولم تحكم أصول العادة
وقواعد السياسة وطبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني ولا قيس
الغائب منها بالشاهد والحاضر بالذاهب فربما لا يؤمن فيها من العثور وزلة
القدم والحيدة عن الجادة " ومعنى هذا أن المؤرخ لا يقبل الشواهد الماضية
منها المباني والأدوات والأسلحة وقطع النقد....إلخ وحتى يتحقق المؤرخ من
صحة الوثائق التي يعتمدها يجب عليه أن ينقدها نقدا خارجيا يتناول صورة
الوثيقة لمعرفة ما إذا كانت الوثيقة محتفظة بهيأتها الأولى وإذا لم يحدث
بها أي تغيير ولمعرفة الطريقة التي تم بها صنعها من أجل الوصول إلى مصدرها
وينصب هذا النقد على الخط واللغة والأشكال والمصادر إلى ....إلخ ،ثم يتعين
عليه أن ينقدها داخليا ليتناول مضمون الوثيقة ويستعمل فيه المؤرخ القياس
التمثيلي الذي تستمد مقدماته الكبرى من علم النفس العام للوصول إلى الأحوال
النفسية التي يكون قد مر بها واضع الوثيقة يجب التساؤل أو أراد صاحبها أن
يقول ؟ وهل كان اعتقاده صحيحا؟ إلى غير ذلك ويكون المؤرخ في كل ذلك محتاجا
إلى الاستعانة ببعض العلوم المساعدة كعلوم الآثار وعلوم الكتابات القديمة
والحديثة ومعرفة اللغات القديمة والحديثة ورغم قيام المؤرخ بهذين النوعين
من النقد يبقى معرضا لمزا لق أخرى منها وحدة المصدر وحدة المشرب .استبعاد
بعض الحوادث فقدان الوثائق الهامة وأيضا النزعة الموضوعية التي قد تمنع
المؤرخ من التعاطف مع الحادثة التي يدرسها والنزعة الذاتية والتي تبالغ في
التعاطف مع الحادثة إلى درجة تجعل المؤرخ يضفي عليها ميوله ورغباته .
النقد: لكن هذه الموضوعية مهما تحققت ووصل إليها المؤرخ فإنها لن تصل إلى
الموضوعية في العلوم الطبيعية وهذا راجع لعوائق ومصاعب كثيرة.
التركيب : إن تجاوز العوائق وإن كان الجميع يدرك مدى صعوبته لكن ذلك ليس
مستحيلا على المؤرخ الذي تبقى المعرفة العلمية دوما ضالته وهو يدرك أنه لا
يمكنه بلوغ ذلك إلا إذا تحلى بالروح العلمية وفي مقدمة ذلك الموضوعية.
الخاتمة: ومنه فرغم محاولة الالتزام بالحياد المنهجي إلا أن الموضوعية في التاريخ تبقى نسبية وتتفاوت من مؤرخ إلى آخر.
انتهى