مبالغة العائلات في المهور يشجع انحراف الشباب يسطين
ويعتدين تأمينا لمصاريف العرس، وأخريات أجبرهن الفقر على العزوبية وهن في
سن الخمسين، ومنهن من وجدن أنفسهن رهن الحبس بعدما سرقن فساتين ومجوهرات
تأمينا "لجهاز"عرسهن... هي ظواهر خطيرة صاحبت غلاء المهور ومبالغة العائلات
في تكاليف العرس، فأصبح الزواج ضربا من الخيال لدى كثيرين. الظاهرة تدق
ناقوس الخطر وتتطلب تجند رجال الدين وفعاليات المجتمع المدني، لأن المجتمع
الجزائري مهدد حسب أخصائيين بالغرق أكثر في الدعارة، ازدياد الأمهات
العازبات، واحتراف الشباب للإجرام. أصبحت ظاهرة عزوف الشباب الجزائري عن الزواج بسبب الفقر لافتة
للانتباه، فكثير منهم من تجاوز سن الأربعين ولم يتمكن بعد من تكوين أسرة،
وهو ما انعكس منطقيا على ارتفاع العنوسة لدى الشابات، وتتحمل العائلات
المسؤولية في الظاهرة. فعائلة الفتاة تنادي وفي كل مناسبة "الهنا يغلب
الغنا" أو"حابة السترة لبنتي برك"، لكن وبمجرد ظهور العريس المنتظر، وتأكد
العائلة من تمسكه بابنتهم تبدأ الطلبات الخيالية، فالمهر لا يقل عن 15
مليون سنتيم، اشتراط طقم ذهبي إضافة لخاتم ومستلزمات الخطوبة، كبش ... السكن
يجب أن يكون مستقلا حتى ولو كان مؤجرا، ناهيك عن مصاريف العرس التي يتكفل
بها العريس لمدعويه من قاعة الحفلات، ذبح الكباش، الحلويات....ومغالاة أهل
العروس في طلباتها، تجعل العرسان يحاولون الانتقام فيشترطون بدورهم، أن
تحضر عروسهم أثاثا معينا للمنزل الزوجي، واشتراط "تصديرة" معينة .
الجزائريات ينفقن الملايين على"تصديرة" تُلبس ليوم واحد وتبقى تصديرة العروس الجزائرية أمرا غريبا حقا، ففيها تُصرف
الملايين لشراء بضعة فساتين تلبس لساعة من الزمن، ثم ترمى في خزانة الملابس
لأعوام، والأكثر غرابة أن العروسات أصبحن تدفعن مبالغ باهظة لإدخال ملابس
هندية وتركية في تصديرتهن. وبين الحديث عن الملايين المدفوعة في تجهيزات
العرس، والنقاشات حول السكن المنفرد من عدمه، والاختلاف حول إقامة حفلة
الخطوبة والزواج، يغيب كلية أي حديث عن أخلاق العروسين، فنادرا ما نسمع
السؤال "هل العريس من المصلين والمدركين للمسؤولية" أو "هل العروس من
البارات بالوالدين ومن الصابرات" لأن غياب الأخلاق كان سببا في إنهاء كثير من الزيجات التي استهلكت الملايين، في أقل من أسبوع أو شهر، لتظهر مجددا مصاريف أخرى متعلقة بالطلاق من مصاريف المحامي، التعويض، النفقة...
عريس يسرق طقما ذهبيا وعروس تستولي على "كاراكو" من محل بالعاصمةعروس تسرق كاراكو لتلبسه يوم عرسها وبسبب الفقر يعزف كثير من
الشباب كلية عن الزواج، ويتجهون نحو العلاقات المحرمة، وآخرون يسلكون طريق
الإجرام. فكثير من قضايا السرقة التي عالجتها محاكم العاصمة كان دافعها
تأمين مصاريف العرس. منها قصة شرطي عجز عن شراء طقم ذهبي اشترطته عائلة
خطيبته، فقرر الاعتداء وفي وضح النهار، على محل مجوهرات بالعاصمة، فتظاهر
أنه زبون يريد شراء الطقم، ثم فر به بعدما رش البائع بغاز مسيل للدموع،
وشاب يعمل حارس حظيرة سيارات بباش جراح، سرق سيارة فخمة وحاول بيعها، وسبب
فعلته حسب تصريحه، هو عدم قدرته على دفع مهر عروسه وتكاليف عرسه، وحتى
الفتيات تلجأن للسرقة وهو حال واحدة امتثلت أمام محكمة سيدي امحمد عن تهمة
سرقة لباسَي "كاراكو"
من محل بساحة الشهداء، والفتاة أودعت الحبس قبل 20 يوما من عرسها، وندمت
كثيرا على فعلتها أمام القاضي، مصرحة بأنها من عائلة فقيرة لا تستطيع
تجهيزها للعرس، لتدينها المحكمة بالسجن غير النافذ، وفتاة أخرى وقبل أسبوع
فقط من زفافها سرقت سوارا ذهبيا فلاحقها الصائغ، وتزامن هروبها مع مرور
دورية شرطة ألقت عليها القبض، القاضية سألت الفتاة المحبوسة إن كان زوجها
وأهله على علم بالأمر، فردت
"هم لا يعلمون بأمر سجني، لأن عائلتي أخبرتهم بتواجدي لدى أقارب في ولاية بعيدة، لتجهيز ملابس العرس، مع انعدام تغطية للهاتف في ذلك المكان".
وبشأن السوار قالت "كنت سأبيعه لأوفر ثمن تكاليف الحلاقة يوم
زفافي". أما والدة مريضة وباقتراب زفاف ابنتها، اشتغلت منظفة بالمنازل
لتوفير مصاريف العرس، خاصة وأن ابنتها الوحيدة، اشترطت عليها شراء ما خف
وثقل وزنه لتحمله معها لبيت زوجها، لكن بعد الزواج وجدت العروس نفسها أمام
مدمن مخدرات، باع كل ما شقت عليه والدتها وحتى أثاث منزله لشراء المخدرات.
المعنية التقيناها بمجلس قضاء الجزائر تحضر جلسة محاكمة زوجها، وأخبرتنا
بأنه ضربها بسكين عندما رفضت منحه بقية ذهبها ليبيعه، وأضافت "لم يترك زوجي
شيئا ذو قيمة بالمنزل إلا وباعه، حتى فساتين تصديرتي" وقد رفعت دعوى طلاق ضده.
أئمة يناشدون العائلات بتيسير الزواج للشباب المعوزينومشكلة الغلاء في المهور، جعلت الكثير من الأئمة عبر ولايات الوطن
يناشدون العائلات بمراعاة الظروف المادية للشباب لتسهيل زواجهم، فمثلا في
بعض بلديات ولاية باتنة على غرار مناطق نقاوس، رأس العيون، مروانة،
بومطاس...، وبسبب عزوف الشباب عن الزواج، قرر أئمة المساجد التوعية
والتحذير من خطورة مغالاة العائلات في تكاليف الزواج، فاتفق الأئمة
والأعيان على إقامة حلقات بالمساجد، كما تحدثوا عن الظاهرة في خطب الجمعة،
وأجمعوا على إلغاء المهور وتخفيف التكاليف، كما شدّدوا بأن العائلات
المخالفة لما أجمعوا عليه "سيدعون عليها" بالمساجد. وهذا السلوك الإيجابي يجب أن يعمم على جميع ولايات الوطن، لتيسير الزواج على أبناء العائلات المتوسطة الحال والفقيرة.