الحاج مصطفى
تصوير: (الشروق)
إستقبلنا
في غرفته العلوية بمنزله العتيق داخل قصر مستاوة القديم بمدينة تقرت، وسط
صناديق تزاحمت فوق بعضها لتلامس السقف، لنجد أنفسنا داخل متحف تارخي رائع،
تأخذك واجهته المقابلة للوهلة الأولى لعوالم الدايات، ثم تنفح في نفسك
واجهة أخرى ريح العصور الوسطى، فيما تسافر بك صناديق أجهزة الراديو العتيق
إلى عهود عصر "ماركوني" وعصور النور بأوروبا، ليختطفنا بين هذا العصر وذاك
صوت الحاج مصطفى وهو أشهر جامع للتحف القديمة بواد ريغ، وصاحب ضيافتنا يقول
لنا: تفضلوا بالجلوس فما خفي أعظم وأجمل.. أعدكم بذلك..
في البداية استطرد صاحب المكان الحديث عن شغفه الكبير بجمع التحف
الناذرة والأدوات العتيقة أينما وجدها، حيث ذكر أنه يسافر عشرات المرات
سنويا من أجل إقتناء هذه الأشياء من مختلف ولايات الوطن، إذ لا يفوت فرصة
يسمع فيها عن وجود تحفة معينة أو صورة نادرة إلا وسابق إليها، كل هذا ـ
يقول ـ من أجل إشباع رغبة جامحة تعتبر هي سر هواية صغره، أما عن ما يحتويه
متحفه المنزلي فحدثنا مصطفى بأن مجموعته تحتوى على أصناف هي الصور، الحلي
القديمة بما فيها العملات، الأدوات العتيقة، الطوابع البريدية، فضلا عن بعض
المخطوطات وأخيرا التحف المنزلية للقصور القديمة، حيث أكد لنا أنه يمتلك
أكثر من ألف قطعه نقدية، زيادة على مئات
الصور الناذرة لمدينة تقرت وقصور منطقة واد ريغ، وصور أغلب حكامها
ومشايخها بمختلف الفترات المتواترة من عهود الرستميين وبني جلاب والعهد
الاستعماري إلى يومنا هذا، مشيرا في ذات السياق أنه يمتلك قلادة نادرة لأحد
من كانوا يعرفون بالقياد خلال فترة الاحتلال الفرنسي بمنطقة تماسين، فيما
عرض علينا بعض المفاتيح الخاصة بقصور تقرت كقصر مستاوة والنزلة العتيقة،
وهي التي يحتفظ بها رفقة بعض الأواني الفخارية القديمة لأهل المنطقة، والتي
تحتوي قدرا يشارف عمره قرنين من الزمن.
وعن إجابته عن سؤالنا حول سر احتفاظه بأعداد كبيرة من أجهزة
المذياع الخشبي القديم الذي تخطت أعداده جوانب الغرفة الثلاثة وتلامس علوها
السقف، يقول محدثنا أنه أكبر عشقه في هواية جمع التحف ينصب داخل هذه
الأجهزة، حتى إنه يروي لنا كيف أنه اشترى مذياع جده بعد أكثر من عقد من المفاوضات لإقناعه، مضيفا أنه يمتلك كل أجيال المذياع الخشبي القديم الذي قد يعود للقرن 19م.
وعن
مشاركته في بعض المعارض الوطنية، صرح الحاج مصطفى أنه يتلقى دعوات بشكل
دائم من طرف الأصدقاء والجمعيات التي تعرفه، لكنه غالبا ما يجد نفسه عاجزا
أمام تكاليف نقل بعض تحفه، سيما وأنه عامل بسيط بورشة حدادة، ورب عائلة، من
جهة أخرى وفي حديثنا عن مصير الكنوز الأثرية التي يحتفظ بها داخل منزله
الذي يهدده الانهيار، وبالتالي الخوف من ضياع ما جمعه طيلة سنين، أكد
محدثنا أنه لطالما راسل الجهات المعنية ببلدية تقرت ودائرتها، لتخصيص مكان
للحفاظ على ما يملك كتراث للمدينة، أو لم لا الحصول على معرض صغير لها، لكن
هذه الجهات لم تعره آذانا صاغية، وأقفلت الأبواب في وجهه، متجاهلة قيمة
هذه المتلكات التي اعتبرها ذات صفة عامة، قبل أن تكون ملكه الخاص، منوها
على أنه سيفعل ما يستطيع لحمايتها إلى آخر يوم في حياته، حريصا في ذات
الوقت على تسليم الأمانة لأبنائه مستقبلا.