يعيش عالم الكرة، سهرة الجمعة، أحد أكبر الأحداث المثيرة التي لا تختلف في تشويقها وحبس الأنفاس، عن مباريات كرة القدم العالمية، بل ربما ستشغل العالم بأسره أكثر من المباراة النهائية لكأس العالم، لأن المباراة النهائية مثلا تعني منتخبين أو البلدين المعنيين، وتعني القرعة 32 بلدا، والكثير من الفضوليين ومن المحروقين، خيبة من الذين أضاعوا التأهل في آخر لحظة.
فمنتخب مصر، مثلا، سافر إلى كأس العالم عام 1934، وهو لا يعلم اسم منافسه، حيث وصل إلى ميلانو ليتضح أن منافسه، هو منتخب المجر، الذي فاز عليه برباعية مقابل هدفين، وكان بإمكان فلسطين في تلك الدورة، أن تكون أول مشارك عربي وآسيوي أيضا في تاريخ كرة القدم، لأن الاتحاد الدولي، قبل قيام الكيان الصهيوني، وجه دعوة المشاركة لفلسطين رفقة الكثير من منتخبات آسيا وإفريقيا التي رفضت في ثاني مونديال، ولكن مع تواجد مصر تم اقتراح لقاء سد تأهلت إثره مصر للدورة الثانية.
ولم تكن القرعة سوى عملية بسيطة لا يتجاوز زمنها نصف ساعة من الزمن، مع بدايات منافسة كأس العالم، خاصة في الدورة الأولى التي جرت عام 1930 في الأوروغواي، حيث كانت المنتخبات تسافر منذ عام 1930 إلى غاية 1954 إلى البلدان المنظمة، في تلك الفترة وهي أورغواي وإيطاليا وفرنسا والبرازيل وسويسرا، ولا أحد يعرف البلدان التي سيواجهها، خاصة أن الكثير من المنتخبات صارت تنسحب من المشاركة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، كما حدث بالخصوص في دورة البرازيل عام 1950 التي قيل إنها ستكون الانطلاقة الحقيقية للمونديال، بعد غياب دام 12 سنة، ولكن 13 دولة فقط شاركت في البرازيل، غالبيتها كانت تعاني من تبعات الحرب العالمية الثانية، وعلى رأسها ألمانيا والمعسكر الشرقي.
وكانت القرعة تجري بوضع قصاصات ورق مكتوب عليها أسماء المنتخبات، داخل كأس جول ريمي، وهي أول كأس عالمية، من دون حضور رؤساء اتحاديات ولا حتى مدربين، ويقال إن المنتخب المنظم هو من كان يختار منافسيه في مونديالي 1930 و1934، إلى درجة أن بعض الفرق، شاركت في المونديال وهي لم تعلم باسم المنافس إلا في الليلة التي سبقت كأس العالم.
ولكن في دورة السويد عام 1958، بدأ النصاب يكتمل برغم غياب قارتي إفريقيا وآسيا، وصار بلوغ كأس العالم في حد ذاته أمل يتطلب تصفيات مضنية، خاصة بالنسبة للأوروبيين، ثم حوّلت إنجلترا كأس العالم إلى مناسبة عالمية كبرى، فأشرفت الملكة إليزابيت على قرعة مونديال 1966 الذي عاشه العالم لأول مرة عبر النقل التلفزيوني المباشر وبالصورة الملونة، ونجحت المكسيك بحب جماهيرها للكرة، من جعل المونديال حدثا عالميا يترقبه العالم كل أربع سنوات، وكانت أول قرعة نقلت عبر شاشات التلفزيون، تلك التي جرت في كأس العالم بألمانيا الغربية، حيث تابعت شعوب أوروبا الشرقية، بشغف كبير مجرياتها، خاصة عندما سحبت القرعة ألمانيا الغربية، في نفس المجموعة مع ألمانيا الشرقية، وأخذت القرعة منذ عام 1990 بإيطاليا هذا الزخم الإعلامي إلى أن صارت تنافس المونديال، من حيث التغطية الإعلامية، وأكيد أن الجزائريين مثل كل البلدان العالمية، سيعيشون نهار اليوم الحدث بجوارحهم، كما عاشوا مباراة أم درمان أو بوركينا فاسو وربما أكثر.
وكانت القناة الأولى الإذاعية هي التي غطت قرعة كأس العالم لعام 1982 بإسبانيا، ونقلتها في نشرة الثامنة القناة التلفزيونية، وانتظر جزائريون آخرون اليوم الموالي لعملية القرعة، لمعرفة المنتخبات الثلاث التي واجهتها الجزائر، وهي ألمانيا والنمسا وشيلي يعبر الجرائد الوطنية، وفي مونديال المكسيك تابعوا القرعة لأول مرة على المباشر عبر التلفزيون الجزائري، ولم يكن حينها عالم الفضائيات قد ظهر ولا عالم الأنترنت، ولكنهم في كأس العالم الأخيرة بجنوب إفريقيا تابعوها كما سيتابعون، مساء الجمعة، القرعة من البرازيل.