جنين-علي سمودي
عندما يغيب الأب ويغيب عطفه وحنوه ويسمع الأبناء صوت ضحكاته وهو يداعبهم تنتشر في كل حنايا البيت وتعيش ذكرى مواقفه الحنونة معهم في ذاكرتهم وفي قلوبهم فيروونها لبعضهم البعض حتى لا تنسى وحتى تكون لهم أنيس يواسيهم قليلا بألم الغياب والاشتياق الرهيب،وبعد غياب الأب المربي تترك المسؤولية للأم الصابرة المكابدة القابضة على الجمر ،فتربي وتعلم وتعمل وتكون هي الأم والأب في ظل فراق الزوج فتحاول أن تغطي قليلا من الفراغ الذي تركه لعلها تستطيع أن تؤنس أولادها بقليل من حنانه الذي غادرهم بسبب الاعتقال.
الأولاد والزوجة يتشبث بهم الحزن
هذه حكاية عائلة الامين العام "للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"الأسير القائد احمد سعدات( 58 )عاما من مدينة البيرة في رام الله والتي يسلط مركز" احرار "الضؤ عليها مع استمرار استهدافه،فسعدات الذي اعتقلته قوات الاحتلال منذ ثمانية أعواموحكمت عليه بالسجن مدة ثلاثين عاما ،بحجة التحريض ضد إسرائيل ويعد شخصا خطيرا على دولتهم بعد تبني الجناح المسلح للجبهة عملية قتل وزير السياحة الاسرائيلي "رحبعام زئيفي" ردا على اغتيال امينها العام السابق ابو علي مصطفى .
ولكن زوجته المناضلة عبلة سعدات " ترى انه حكم من اجل مواقفه السياسيه ورفضه للاعتراف بالاحتلال وشرعية محكمته ، فهو لم يدان باي تهمة ولم يتمكنوا من اثبات أي قضية بحقه ، ورغم صموده في اقبية التحقيق وهو اعلى حكم بحق قائد سياسي في محاكم الاحتلال".
العزل
في اعتقاله الاخير وبعد محطات من العذاب والمعاناة ، تقول الزوجةام غسان:" التحقيق والتعذيب والحكم لم يكن كافيا لعقابه والانتقام منه ، فمارست المخابرات الضغوط المستمرة حتى حصلت على قرار من المحكمة بوضعه في العزل الانفرادي ولا زال يمكث فيه منذ عام ونصف في سجن ريمون" ،وتضيف سعدات لمركز أحرار" ان أولادها الأربعة حرموا من زيارة والدهم مدة أربعة أعوام وكانت تزوره وحدها لامتلاكها هوية مقدسية وتضيف و منذ وجوده في العزل لم يستطع احد زيارته.
وتتابع الزوجة ورغم طلب عقد محكمة احتجاجا على عدم السماح لأسرته بزيارته إلا أن اسرائيل وككل مرة تقدم حجتها الزائفة بوجود ملف سري على الأسير وتم إلغاء المحكمة دون أي نتيجة. وتقول:"انه رغم توكيل المحامي محمود حسان إلا أن الزيارة لا زالت ممنوعة ولا تعلم الأسرة أي أخبار أو معلومات عنه ولا توجد أي وسيلة اتصال بينها وبينه منذ وجوده في العزل".
فرحة منقوصة
و تضيف زوجة الأسير سعدات "إن كل لحظة لدينا ولو كانت لحظة فرح إلا أن الحزن يملؤها ولم يعد هناك مكانا للفرح كون احمد غير موجود بيننا ، فهي فرحة منقوصة خاصة في الأعياد وفي المناسبات السعيدة وفي نجاحات الأولاد وتسلمهم النتائج المدرسية فهذه لحظات مؤلمة يفتقد فيها الأب الذي ينتظر أولاده يكبرون شيئا فشيئا أمام عينيه ليفرح بهم ويعانقهم ويقبلهم ويضمهم بين ذراعيه" إلا أن الاحتلال الإسرائيلي سرق هذه الفرحة كما سرق أفراح الكثيرين من قبله لكنه لم يسرق عزيمة وإرادة سعدات الذي قاوم المحتل بكل ما يملك وبقي عصي لا يأبى الانكسار فقد خاض في السنوات القليلة السابقة إضرابا مفتوحا عن الطعام احتجاجا على المعاملة القاسية التي يكابدها داخل السجن.
سعدات يصارع المرض في عزلته
وبالرغم مما يعانيه الأسير القائد سعدات داخل سجنه من مرارة السجن وظلم السجان إلى انه أيضا يعاني من وضع صحي سيئ، وأمراض تمنعه الراحة والنوم فهو يعاني كما تقول رفيقة دربه ام غسان:من مرض (الربو) منذ اعتقاله في سجن أريحا عام 2002 بالإضافة إلى (التكلس) في فقرات الرقبة مما يؤثر سلبا في قدرته على التوازن مما يزيد عذابه ،كل هذا وإدارة مصلحة السجون الإسرائيلية ترفض تقديم العلاج اللازم له إلا من المهدئات في محاولة للنيل من عزيمة سعدات وإرادته.
عشرون عام
قضى القائد سعدات تقول زوجته عبله ما يقارب عشرين عاما من حياته متنقلا بين السجون الإسرائيلية ، ففي كل مرة كان يحكم عليه إما حكما إداريا لأشهر طويلة أو كان يحكم عليه لسنوات ، وكان الاعتقال الأخير بتاريخ 14/3/2006 عندما هاجمت قوات الاحتلال الإسرائيلية سجن أريحا الذي كان يخضع للرقابة الأمريكية والبريطانية والذي كان سعدات يتواجد فيه مع عدد من الأسرى ورفاقه من كتائب "الشهيد ابو علي مصطفى"،ومارست قوات الاحتلال هجمتها عليهم واعتقلتهم بأساليب مسيئة ومهينة للغاية أمام مرأى البشرية كلها واقتادتهم إلى سجونها .
محطات في حياته
عامين بعد انطلاقتها عام 1967 ، التحق سعدات بصفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين "، كرس حياته لقضيته وشعبه ، جسد عنوانا للنضال والتضحية ، أعيد انتخاب سعدات لعضوية اللجنة المركزية العامة والمكتب السياسي في المؤتمر الوطني الخامس العام 1993 ، أثناء وجوده في المعتقل الإداري ، انتخب أميناً عاماً للجبهة في بداية تشرين الأول العام 2001 ، بعد اغتيال القائد أبو علي مصطفى الأمين العام، نهاية آب 2001. تقلد مسؤوليات متعددة ومتنوعة داخل السجون وخارجها ، وانتخب عضواً في اللجنة المركزية العامة للجبهة في المؤتمر الرابع.
كان سعدات عضواً في لجنة فرع الجبهة الشعبية في الوطن المحتل ، وأصبح مسئولا لفرع الضفة الغربية منذ العام 1994 ، وأعيد انتخابه لعضوية اللجنة المركزية العامة ، والمكتب السياسي في المؤتمر الوطني السادس العام 2000 .
رسالة وأمل
صمود سعدات الابنة التي لا زالت محرومه من زيارته ، تقود مع والدتها حملة شاملة اليوم للمطالبة باغلاق اقسام العزل وتحرير والدها وكل رفاقه الذين يتعرضون كما تقول "لسياسة الموت البطيء ورغم صمودهم فان المطلوب لنعزز صمودهم ان نكسر قرار العقاب والانتقام باغلاق العزل ومنع تنفيذ مخططات الاحتلال"، وفي غياب الوالد عاشت سنوات طويلة لكن صمود تقول لن تفقد الامل بلحظة التحرر والخلاص من السجن والسجان ، وتشاركها ام غسان الراي وتقول " احمد يشكل نموذج لحكاية التحدي الفلسطينية ورسالة كل مناضل في سبيل شعبه وقضيته ، بامكانهم ان يعزلوه ويمنعونا رؤيته ويحرموننا منه وتغييبه بالاحكام العالية ، ولكنهم لن ينالوا من رسالته وعزيمته وايمانه بشعبه وقضيته ومبادءه ، نحن نفخر بصمود وتضحيات زوجي ولكن لن نستجدي المحتل ولن نتوقف عن النضال لكسر قيده وتحريره من العزل ، ورسالتنا لابوغسان ، نحن سننتظرك ولن نتخلى عن الامل .
وبينما تتواصل الجهود في اروقة المحاكم الاسرائيلية للحصول على قرار بوقف عزله والغاء قرار منع زيارته ، فان ابو غسان يواصل االصمود من عزل لاخر في مواجهة هذا العقاب الانتقامي الذي اكد اكثر من مرة انه لن ينال من الفلسطيني وعزيمته لانه صاحب رسالة ومباديء وحق لن يتخلى عنه او يفرط به .
ويذكر إن سياسة العزل هذه قد شرعتها قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967 وبأوامر قضائية وخلافا للقانون الدولي والإنساني.
فؤاد الخفش مدير مركز "أحرار" لدراسات الأسرى وحقوق الإنسان ، قال :أن "العزل هو عبارة عن سلسلة من العقوبات المركبة ضد الأسرى، يندرج في إطارها منع زيارة العائلة، ومنع الاختلاط بباقي الأسرى ،والحرمان من الكنتين، ومن الحصول على أي الخدمات الصحية إلا المسكنات ،وكل هذا يهدف إلى إلحاق أقصى درجات الضرر والتعذيب النفسي للأسرى،وكذلك الإضرار الجسدي في محاولة لضرب قدرة الأسرى على التحرك ومنع تأثيرهم واندماجهم في الحياة الطبيعية بعد الخروج من المعتقلات".
وأضاف الخفش أن سياسة العزل هذه تفتح ملف القادة النواب الذين اعتقلهم الاحتلال الإسرائيلي بهدف التأثير على الرأي العام الفلسطيني ،وكخطة واهمة منهم أن سياسة العزل هذه ستؤدي إلى إذلال القادة الفلسطينيين وستضعف إرادتهم حيث أن إسرائيل لا زالت تحتجز في سجونها العديد من النواب والقياديين من كافة الفصائل الفلسطينية تحت ظروف اعتقالية سيئة للغاية ولا تليق بالآدميين.