ل ترى أن تحقيق الديمقراطية السياسية كفيل بتجسيد الغاية من وجود الدولة ؟ جدلية
طرح المشكلة :إن الدولة – كجهاز سياسي – إنما وُجدت لأجل تحقيق غايات أسمى ؛ هي بالاساس تحقيق العدل وحماية الحريات العامة للافراد وكذا ضمان حقوقهم ، وهذه هي نفسها الاسس التي تقوم عليها الديمقراطية السياسية ، مما جعل انصارها يعتقدون ان ديمقراطيهم هي الديمقراطية الحقة التي من شأنها أن تجسد الغاية التي وجدت من أجلها الدولة ، فهل يمكن الاخذ بهذا الرأي ؟
محاولة حل المشكلة :
1-أ- يرى أنصار المذهب الليبيرالي ودعاة الحرية ، أن تحقيق نظام سياسي راشد يجسد الغاية من وجود الدولة ، مرهون باقرار الديمقراطية السياسية كنظام حكم ، والذي هو – دون شك – النظام الوحيد الذي يصون حريات الافراد ويضمن حقوقهم ويحقق العدالة بينهم .
1-ب – وما يثبت ذلك ، الديمقراطية السياسية أو الليبيرالية تنادي بالحرية في جميع المجالات ؛ أولها الحرية الاقتصادية التي تعني حرية الفرد في التملك والانتاج والتسويق والاستثمار ... دون تدخل الدولة ، لأن وظيفة الدولة سياسية تتمثل بالخصوص في ضمان وحماية الحريات والحقوق الفردية ، وتدخلها معناه تعديها على تلك الحريات والحقوق . وثانيا الحرية الفكرية والشخصية ، التي تعني اقرار حق الفرد في التعبير وضمان سرية الاتصالات والمراسلات وضمان حرية العقيدة والتدين . وأخيرا الحرية السياسية ، حيث للفرد الحق في المعارضة وإنشاء الاحزاب أو الانخراط فيها ، وكذا المشاركة في اتخاذ القرارات عن طريق النواب الذين ينتخبهم لتمثيله والتعبير عن ارادته .
كما ان الديمقراطية السياسية تقوم على فصل السلطات من تشريعية وتنفيذية وقضائية .. مما يعني ان القضاء مستقل ، ومن شأن ذلك ان يحقق العدل بين الافراد الذين يضعهم القانون على قدم المساواة .
أما العدالة الاجتماعية – التي تعد من أهم الغايات التي جاءت من أجلها الدولة – فإن الديمقراطية السياسية تراعي في تحقيقها احترام الفروق الفردية ، باعتبار أن الافراد متفاوتون في في القدرات والمواهب وفي ارادة العمل وقيمة الجهد المبذول .. وبالتالي ينبغي الاعتراف بهدا التفاوت وتشجيعه .
1-جـ- لكن نظام حكم بهذا الشكل ناقص ؛ فالديمقراطية السياسية تهتم بالجانب السياسي وتهمل الجانب الاجتماعي ، حيث تنادي بالحرية فقط دون الاهتمام بالمساواة بين الافراد اجتماعيا واقتصاديا ، والحرية السياسية والفكرية لا تعني شيئا لمواطن لا يكاد يجد قوت يومه .
ومن جهة ثانية ، أن غياب المساواة الاجتماعية والاقتصادية ادى الى المساواة السياسية ، فالاحزاب والجمعيات بحاجة الى وسائل إعلام ( صحف ، محطات إذاعية وتلفزية .. ) لتعبر عن ارادتها ، وبحاجة الى دعاية لتروج لأفكارها .. وهذا كله بحاجة الى رؤوس أموال التي لا تتوفر الا عند الرأسماليين الكبار ، والنتيجة اصبحت الطبقة المسيطرة اقتصاديا مسيطرة ساسيا ، أي سيطرة الرأسماليين على دواليب الحكم .
2-أ- وبخلاف ما سبق ، يرى أنصار المذهب الاشتراكي ودعاة المساواة ، ان نظام السياسي الذي من شأنه أن يقضي على كل مظاهر الظلم والغبن والاستغلال هو اقرار الديمقراطية الاجتماعية ، التي هي الديمقراطة الحقيقية التي تحقق المساواة والعدل ، وتجسد – من ثـمّ – الغاية التي وجدت الدولة من أجلها .
2-ب- وما يؤكد ذلك ، أن اساس الديمقراطية الاشتراكية هو المساواة الاجتماعية ، عن طريق القضاء على الملكية الفردية المستغِلة التي ادت الى بروز الطبقية الفاحشة ، وقيام ملكية جماعية يتساوى فيها الجميع بتساويهم في ملكية وسائل الانتاج . كما تنادي هذه الديمقراطة بضرورة تدخل الدولة في إقرار مبدأ تكافؤ الفرص بين كل الافراد ومساواتهم في الشروط المادية والاجتماعية ، مما يؤدي الى القضاء على كل مظاهر الظلم واستغلال الانسان لأخيه ، وبذلك تتحقق المساواة الفعلية والعدالة الحقيقية بين كل فئات الشعب .
2-جـ- إن المناداة بالمساواة نظريا لا يعني بالضرورة تحقيقها فعليا ، ومن جهة اخرى فاهتمام الديمقراطية الاشتراكية بالجانب الاجتماعي واهمالها الجانب السياسي أدى الى خلق أنظمة سياسية شمولية ديكتاتورية مقيدة للحريات ، محولة بذلك افراد المجتمع الى قطيع ..
3- في الحقيقة ان المجتمع الذي يتوخى العدل هو المجتمع الذي يتبنى الديمقراطية نظاما لحياته ، تلك الديمقراطية التي ينبغي لها أن تهتم بالجانب السياسي فتضمن حريات الافراد وتحمي حقوقهم ، كما ينبغي لها أيضا أن تهتم بالجانب الاجتماعي فتعمل على إقامة مساواة فعلية حقيقية بينهم ، فتتحقق بذلك العدالة ، وتتجسد وظيفة الدولة الاصيلة .
حل المشكلة : وهكذا يتضح ، ان الديمقراطية السياسية – كنظام حكم – لا تحقق الغاية التي وجدت من أجلها الدولة ، لأهمالها جانبا مهما هو المساواة الاجتماعية التي هي روح العدالة الحقيقية . وعليه فالنظام السياسي الراشد هو الذي يضمن حرية الافراد سياسيا ويساوي بينهم اجتماعيا .