تهذيب النفس ..
--------------------------------------------------------------------------------
قد يقول قائل:
أنت تطالب الناس بخلاف ما جُبِلُوا عليه!!
فهذا يكون طبعة الرفق والأناة، وهذا يكون طبعة والغضب والعجلة،وهذا يكون طبعة الاخلاق الرذيلة ؟!!
فكيف لهذا الأخير بالتَّخلُّق بخلاف طبعه الذي جُبِل عليه؟
إن الأخلاق الحميدة والفضائل منها ما هو خَلْقِي، ومنها ما يُكْتسب بالعلم والمجاهدة، وكذلك الأخلاق المذمومة يتخلص منها المرء بالمجاهدة والصبر.
قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} .
فقد جعل المولى سبحانه الفجور والتقوى في كل نفس ابتلاء منه سبحانه، فمن جاهد نفسه ليخلصها من الفجور ويحليها بالفضائل فهو من الفالحين وعكسه بعكسه، وقال تعالى في موضع آخر: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} .
والأخلاق المحمودة تكتسب بوسائل، كالعلم والمجاهدة والدعاء والصحبة الصالحة:
1- العلم: الأصل في الإنسان الجهل قال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} .
قوله: {لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} تدل على أن الأصل الجهل، وإنما يُلام الإنسان بعد ذلك إذا ظل جاهلا لتعطيلة الوسائل التي أمدَّه الله بها ليتعلم، ولتَرْكِه العلم المفروض والمندوب، أما الوسائل فهي {وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، ويتفاوت الخلق في الاستفادة من هذه الوسائل.
فالكافر لم ينتفع بها البتة: قال تعالى: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ}، وقال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ} .
أما المؤمن فقد استفاد من هذه الوسائل في تحصيل الإيمان، قال تعالى: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا}، وقال تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِي الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} .
والجهل أصل كل شر ومنه الكفر، إذ إن الإنسان عدو ما يجهل، قال تعالى: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ} . وعلاجه بالتعلم ومنه السؤال، لقوله صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس تعلموا، إنما العلم بالتعلم، والفقه بالتفقه، ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين».
وقد ختم الله كثيرا من الآيات الداعية بقوله تعالى: {إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} وقوله {لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} إشارة إلى أن العلم باعث على العمل بها،، ومثله قول النبي صلى الله عليه وسلم : «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلا وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا).
وفيما يتعلق بالأخلاق المحمودة، فإن العلم بها ذو حقين:
أ - العلم بفضلها، كما في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ حُسْنِ الخُلُق» ، وقال صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ» ، وأمثال هذه. ويدخل في ذلك العلم بسوء مآل من فرط فيها.
ب - العلم بأفرادها: أي ما الأخلاق المذمومة ليتخلى عنها، وما الأخلاق والآداب المحمودة ليتحلى بها؟. وهذه الأفراد مثبتة في كتب الأدب والرقاق (الرقائق) من دواوين السنة كصحيح البخاري وغيره.
2 = المجاهدة والاكتساب: وكيفية ذلك أن يعرف المرء من نفسه الغضب مثلا، فيجاهد نفسه للتخلص من الغضب واكتساب الحِلْم، ويكون ذلك بالمحاولة، فإذا عَرَض له ما يُغضبه كظم غيظه ولو بنصف المطلوب، ثم في المرة التالية يضبط نفسه بقدر أكبر، وهكذا حتى يصير الحلم خلقا لازما له، وهذا شيء مجرب وطريقة ناجحة إن شاء الله، والذي يعينه على ضبط نفسه معرفة ما أعده الله من الثواب على ذلك، ومعرفة مَغَبَّة إنفاذ غضبه في الدنيا والآخرة.
3 = الدعاء: مع المجاهدة تكل أمرك كله إلى الله وتتبرأ من حولك وقوتك إلى حوله سبحانه وقوته، وتسأله أن يعينك على نفسك وعلى شيطانك، فتقول: «اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين أصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت»، وتقول: «اللهم آت نفسي تقواها وزَكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها» ، وتقول: «اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي، ومن شر بصري، ومن شر لساني، ومن شر مَنِيِّي» .
وأمثال هذه الأدعية المأثورة التي تستعيذ فيها من شرور النفس وتسأل الله تعالى محاسن الأخلاق.
والدعاء مخ العبادة وهو سلاح المؤمن.
وقد قُدمت المجاهدة على الدعاء لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}.
والله الموفق والهادي الى سواء السبيل