أمضى الأسير سهيل سعيد الجديلي، الجزء الأكبر من حياته داخل السجون الصهيونية، فقد اعتقل طفلاً، ودخل مؤخراً عامه الحادي والعشرين خلف القضبان.
بعد أقل من سنتين؛ يكون الأسير الجديلي (37 عاماً)، قد أنهى حكمه البالغ 22 سنة، حيث اتهمه الاحتلال بالمشاركة في قتل مستوطن يهودي في عام 1990، في مخيم البريج (وسط قطاع غزة).
وكانت قوات الاحتلال اعتقلت المئات من الشبان الفلسطينيين، وهدمت عشرات المنازل في المخيم بعد مقتل المستوطن المذكور في أيلول (سبتمبر) 1990م، حيث كانت الانتفاضة الأولى في أوجها.
وقضت محاكم الاحتلال العسكرية على عشرات الشبان بأحكام متفاوتة، وصل بعضها إلى أكثر من اثنين وعشرين سنة سجناً، وقد أنهي كافة المعتقلين أحكامهم، ولم يبق سوى خمسة شبان منهم الأسير الجديلي.
السنوات مرت ثقيلة على والده المقعد، ووالدته التي لا تفتأ تقلّب صوره بين حين وآخر بعد أن حرموا من زيارته منذ سنوات.
طفـــــــــولــــة معتقــــــلة
في منزل الأسير الجديلي، بمخيم البريج، يستعينون بمولد كهربائي صغير على إنارة المنزل، وتشغيل مروحة كهربائية قبل أن يشرع الوالد في سر حكاية اعتقال نجله لـ "قدس برس"، لا سيما في ظل الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي.
يقبض والد سهيل الحاج "أبو سفيان" بكفيه على جانبي كرسيه المتحرك، مستعيداً ذاكرته التي تحمل ذكريات من طفولة سهيل.
وقال لـ "قدس برس": "اعتقل سهيل، وعمره (16 عاما)، ولدي خمسة أولاد وثلاثة بنات، ترتيبه الثالث، حيث كان سهيل طفل هادئ، ملتزم في دراسته، وقد أنهى الثانوية العام داخل المعتقل".
حين قتل المستوطن كان سهيل في طريقه للعمل في مصنع البسكويت قرب دير البلح، وحين وجد المصنع مقفلاً يومها حاول العودة لمنزله، فإذا بالمخيم مطوّق من الجنود الصهاينة.
جاءت وشاية على منزله تتهمه بالمشاركة في قتل المستوطن، فداهم الجنود البيت وبحثوا عنه ثم أجبروا والده المقعد على الذهاب معهم لبيت خاله، حيث كان قد اضطر للمكوث عندهم بعد ما شهده المخيم.
يهز "أبو سفيان" رأسه مضيفاً: "هناك وجدوه واعتقلوه واتهموه بإلقاء حجر أدى إلى قتل المستوطن، فحكموه اثنين وعشرين سنة ظلماً، وبدأ يتنقل بين السجون".
تحامل الأب على نفسه كثيراً، متجشما عناء زيارته في المعتقلات، ومنذ اثنا عشر سنة عجز عن زيارته قبل أن تمنع قوات الاحتلال منذ خمس سنوات كافة أهالي معتقلي غزة من زيارة ذويهم.
ضحيـــــة الاحتــــــلال
وأكد سفيان، شقيق الأسير سهيل، أن شقيقه لم يمكث طويلاً برفقة أسرته، وأن فترة طفولته اكتملت خلف القضبان، ليمضي الجزء الأكبر من حياته بعيداً عن ذويه.
يتذكر سفيان هدوء سهيل وشغفه باللعب بدراجته الهوائية، مضيفاً: "أنا الأقرب إليه، لأن بقية أخوتي صغار، لكني لم أره منذ اثنا عشر سنة، ولم نعرف أخباره سوى من بعض الاتصالات المتباعدة".
ويصف شقيقه بأنه واحد من مئات الضحايا، لا سيما أنه لم يكن أصلا في مكان الحادث، وأنه تعرض لتعذيب شديد دفعه وهو طفل ليوقع للجنود على ورقة اعتراف بيضاء.
نســـــــــف البيـــــــــــت
أحضرت والدة سهيل ألبوماً للصور وبدأت في تقليب صوره منفرداً وأخرى وهو برفقتها في فترات مختلفة من حياته.
داهم ضجيج المولد الكهربي الصغير، الذي يستعين به معظم سكان غزة على مشكلة انقطاع الكهرباء المتكررة، حديث سفيان حين وصل بروايته لتلك الأيام التي هدم فيها منزل الأسرة.
تناولت "أم سفيان" هذه الفقرة عن ابنها وشرعت في حكاية هدم البيت بعد اعتقال سهيل مضيفة: "يوم اعتقال سهيل بدؤوا باعتقال زوجي ثم ضربوه وهددوه بالقتل إن لم يخبرهم عن مكان سهيل".
عاد الجنود بعد أيام وعقب انتهائهم من هدم عشرات المنازل المجاورة لهدم منزل "أبو سفيان" في عقاب جماعي طال مئات الأسر بمخيم البريج.
وتابعت: "أمهلوني فقط نصف ساعة لجمع بعض المقتنيات، ثم حملت ابني الصغير وكان في الثالثة من عمره، ولجأت للجيران ثم انتقلت أسرتي للسكن في مستشفى المخيم".
نكبـــــــــــــة جـــــــــديـــــــدة
مثلت عشرات الخيام المقامة في مشفى المخيم، صورة جديدة لـ "النكبة" ومعاناة اللاجئين، وقد مرّ أكثر من اثني عشر شهراً على معاناة الناس في تلك الخيام، حتى بدؤوا في تدبر أمورهم.
وأكدت "أم سفيان" أن ابنها سهيل حُكم عليه بالسجن في حزيران (يونيو) 1993م، وأنها منذ ذلك التاريخ حرصت على زيارته في كافة المعتقلات التي تنقل فيها. لكنها لم تر منذ خمس سنوات ابنها، شأنها شأن بقية عائلات الأسرى الممنوعة منذ خطف الجندي الصهيوني شاليط.
تتمنى "أم سفيان" أن يخرج ابنها في أقرب وقت ممكن مضيفة: "مضت عشرون سنة على اعتقاله، وبقيت سنة ونصف السنة على انتهاء الحكم، وأنا أعد الأيام المتبقية له في السجن باليوم". وأضافت: "ابني لم يرتكب ذنبا لاعتقاله، وحكمه هذا الحكم الظالم، فمن يحاسب الاحتلال؟".
وأكدت أنها وضعت مولودها سهيل بتاريخ 14-1-1973م، في يوم عيد، معتبرة أن يوم تحريره سيكون عيداً وأسعد يوم في حياتها، كما قالت.
وتجد "أم سفيان" نفسها مضطرة لملاحقة كافة الأنباء والأحاديث الصحفية عن صفقة تبادل الأسرى، التي زاد الحديث عنها مؤخراً، بعد عودة الوسيط الألماني للتحرك، مؤكدة أنها تشعر بآلام أمهات الأسرى خاصة من أصحاب الأحكام المؤبدة.
المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام