نزهة النظر
في
آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه مباحث مختصرة في آداب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر جمعت مادتها من الشبكة ومن كلام أهل العلم راجيا من الله أن ينفع بها .
أبو أسامة سمير الجزائري
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
تعريفه وأنواعه:
المعروف: يطلق المعروف على كل ما تعرفه النفس من الخير، وتطمئن إليه، فهو معروف بين الناس لا ينكرونه.
وقيل: هو ما عرف حسنه شرعاً وعقلاً.
المنكر: ضد المعروف، وهو ما عرف قبحه شرعاً وعقلاً وسمّي منكراً، لأن أهل الأيمان ينكرونه ويستعظمون فعله.
والمعروف يدخل فيه كل ما أمر الله به ورسوله من الأمور الظاهرة والباطنة ،
مثل: شرائع الإسلام والإيمان بالله والصلوات الخمس والزكاة والحج،
والإحسان في عبادة الله وإخلاص الدين لله، والتوكل عليه ومحبته ورجائه،
وغيرها من أعمال القلوب، وصدق الحديث والوفاء بالعهود وأداء الأمانات وبر
الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إلى الجار واليتيم، ومكارم الأخلاق.
والمنكر يدخل فيه كل ما نهى الله عنه ورسوله مثل: الشرك بالله صغيره
وكبيره، وكبائر الذنوب: كالزنا والقتل والسحر وأكل أموال الناس بالباطل،
والمعاملات المحرمة: كالربا والميسر والقمار، وقطيعة الرحم وعقوق الوالدين،
وسائر البدع الاعتقادية والعملية، وغير ذلك مما نهى الله عنه ورسوله.
حكمه:
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم الواجبات، وأكبر المهمات، وقد دل على وجوبه الكتاب والسنة والإجماع.
وقد
دلت النصوص على الأمر به، وجعله من الصفات اللازمة للمؤمنين، وسبباً
لخيرية الأمة وأن تركه يؤدي لوقوع اللعن والإبعاد ونزول الهلاك وانتفاء
الإيمان عمن قعد عنه حتى بالقلب.
يقول
تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن
المنكر } [آل عمران: 104]. ويقول تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة
والموعظة الحسنة } [النحل: 125]. ويقول عليه الصلاة والسلام (من رأى منكم
منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف
الإيمان ) رواه مسلم.
فضله
1-
أنه من مهام وأعمال الرسل عليهم السلام، قال تعالى: ﴿ وَلَقَد بَعَثنَا
فيِ كُلِ أُمةٍ رَسُولاً أن اعبدُوا اللهَ وَاجتَنِبُوا الَّطاغُوتَ ﴾.
2-
أنه من صفات المؤمنين كما قال تعالى: ﴿ التَّائِبُونَ العَابِدُونَ
الحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ
بالمعروف وَالنَّاهُونَ عنِ المُنكَرِ وَالحَافِظُونَ لحُدُودِ اللهِ
وَبَشِرِ المُؤمِنِينَ ﴾.
على
عكس أهل الشر والفساد ﴿ المُنَافِقُونَ وَالمُنافِقاتُ بَعضُهُم مِن بَعضٍ
يَأمُرُونَ بِالمُنكَرِ وَيَنَهَونَ عَن المَعرُوفِ وَيَقبِضُونَ
أيدِيَهُم نَسُوا اللهَ فَنَسِيهُم إنَّ المُنافِقِينَ هُمُ الفَاسِقُونَ
﴾.
3- إن الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر من خصال الصالحين، قال تعالى: ﴿ لَيسُوا سَواءً
من أهلِ الكتَابِ أُمةُ قَائِمةُ يَتلُونَ آياتِ اللهِ آناء الليلِ وَهُم
يَسجُدُونَ (113) يُؤمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوم الآخِرِ وَيَأمرونَ
بِالمعرُوفِ وَيَنهونَ عَن المُنكَر وَيُسَارِعُونَ في الخَيراتِ وَأولئِكَ
منَ الصَّالِحُينَ ﴾.
4-
من خيرية هذه الأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ﴿ كُنتُم خَيرَ
أُمةٍ أُخَرِجَت للِنَّاسِ تَأمرونَ بِالمَعرُف وتَنهُونَ عنِ المُنكرِ
وَتُؤمِنُونَ بِالله ﴾.
5-
التمكين في الأرض، قال تعالى: ﴿ الَّذيِنَ إن مَّكَّناهُم في الأرضِ
أقَامُوا الصَّلاةَ وأتُوا الزَّكاةَ وأمرُوا بِالمعُروفِ وَنَهَوا عَنِ
المُنكَر وَلله عَاقِبَةُ الأُمورِ ﴾.
6-
أنه من أسباب النصر، قال تعالى:﴿ وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَنِ يِنَصُرُهُ
إنَّ اللهَ لَقَوىُّ عَزيزُ (40) الَّذيِنَ إن مَّكَّناهُم في الأَرضِ
أقَامُوا الّصلاةَ وأتُوا الزكاةَ وَأمَرُوا بِالمعرُوفِ ونَهَوا عَنِ
المُنكَرِ وللهِ عَاقِبةُ الأمُورِ ﴾.
7-
عظم فضل القيام به كما قال تعالى: ﴿ لاّ خَيرَ في كَثِيِرٍ مِنّ
نَّجوَاهُم إلاّ مَن أمَرَ بِصَدَقَةٍ أو مَعروفٍ أو إصلاحِ بَينَ النَّاس
وَمَن يَفعَل ذَلكَ ابتِغَاءَ مَرضَاتِ اللهِ فَسَوفَ نُؤتِيهِ أَجراً
عَظِيماً ﴾.، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: { من دعا إلى هدى كان له مثل
أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً } [رواه مسلم].
8-
أنه من أسباب تكفير الذنوب كما قال عليه الصلاة والسلام: { فتنة الرجل في
أهله وماله ونفسه وولده وجاره، يكفرها الصيام والصلاة والصدقة، والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر } [رواه أحمد].
9-
في القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حفظ للضرورات الخمس في الدين
والنفس والعقل والنسل والمال. وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من
الفضائل غير ما ذكرنا.
إذا تُرِك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعُطّلت رايته ؛ ظهر الفساد في البر والبحر وترتب على تركه أمور عظيمة منها:
1- وقوع الهلاك والعذاب، قال الله - عز وجل -: ﴿ وَاتَّقُوا فَتنَةً لا تُصِيبَنَ الذين ظَلَمُوا مِنكُم خاصةً ﴾.
وعن
حذيفة - رضى الله عنه - مرفوعاً: { والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف
ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا
يستجاب لكم } [متفق عليه].
ولما
قالت أم المؤمنين زينب - رضي الله عنها -: ( أنهلك وفينا الصالحون؟ ) قال
لها الرسول - صلى الله عليه وسلم -: { نعم إذا كُثر الخبث } [رواه
البخاري].
2- عدم إجابة الدعاء.
3- انتفاء خيرية الأمة.
4- تسلط الفساق والفجار والكفار، وتزيين المعاصي، وشيوع المنكر واستمراؤه.
5-
ظهور الجهل، واندثار العلم، وتخبط الأمة في ظلم حالك لا فجر لها. ويكفي
عذاب الله - عز وجل - لمن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتسلط
الأعداء والمنافقين عليه، وضعف شوكته وقلة هيبته.
مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
لقد بين صلى الله عليه وسلم مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي ثلاث:
المرتبة الأولى:
الإنكار باليد مع القدرة، وذلك خاص بمن له ولاية من مسؤول أو محتسب ممن
يقدر على ذلك. وهكذا المرء مع أهله وأولاده، يأمرهم بالصلاة وسائر
الواجبات، وينهاهم عما حرم الله.
المرتبة الثانية:
إن عجز المحتسب عن الإنكار باليد انتقل إلى الإنكار باللسان، فيعظهم
ويذكرهم ويعاملهم بالأسلوب الحسن مع الرفق، ويستعمل الألفاظ الطيبة
والكلمات المناسبة، حتى لو قوبل بالسوء فهو لا يقابل إلا بالتي هي أحسن.
المرتبة الثالثة: الإنكار بالقلب وهي آخر المرتب، ولا رخصة لأحد في تركها ألبته، بل يجب ترك المنكر وبغضه بغضاً تاماً مستمراً.
وهذا
يقتضي مفارقة أهل المعصية ومجانبتهم حال معصيتهم، يقول تعالى: {وقد نزل
عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا
معهم حتى يخوضوا في حديث غيره ، إنكم إذاً مثلهم } [النساء: 140]. ففي
الآية نهي صريح عن مجالسة أصحاب المنكر حال مواقعته، حتى يتحولوا عنه، وإلا
كانوا مثلهم في الإثم، لرضاهم بذلك.
خطوات الإنكار والأمر:
1-
التعريف، فإن الجاهل يقوم على الشيء لا يظنه منكراً، فيجب إيضاحه له،
ويؤمر بالمعروف ويبين له عظم أجره وجزيل ثواب من قام به، ويكون ذلك بحسن
أدب ولين ورفق.
2- الوعظ؛ وذلك بالتخويف من عذاب الله عز وجل وعقابه وذكر آثار الذنوب والمعاصي، ويكون بذلك شفقة ورحمة له.
3- الرفع إلى أهل الحسبة إذا ظهر عناده وإصراره.
4-
التكرار وعدم اليأس فإن الأنبياء والمرسلين أمروا بالمعروف وأعظمه
التوحيد، وحذروا من المنكر وأعظمه الشرك، سنوات طويلة دون كلل أو ملل.
5- إهداء الكتاب والشريط النافع.
6- لمن كان له ولاية كزوجة وأبناء، فله الهجر والزجر والضرب.
7-
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يستوجب من الشخص الرفق والحلم، وسعة
الصدر والصبر، وعدم الانتصار للنفس، ورحمة الناس، والإشفاق عليهم، وكل ذلك
مدعاة إلى الحرص وبذل النفس.
وسائله وأساليبه:
قال تعالى: {ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي
أحسن } [النحل: 125]. فالدعوة بالحكمة تكون بحسب حال المدعو وفهمه، وقبوله،
ومن الحكمة: العلم والحلم والرفق واللين والصبر على ذلك.
والموعظة
الحسنة: تكون مقرونة بالترغيب والترهيب والوعد والوعيد والمجادلة بالتي هي
أحسن. وهي الطرق التي تكون أدعى للاستجابة عقلاً ونقلاً، لغة وعرفاً .
قال سفيان الثوري: "ينبغي للآمر الناهي أن يكون رفيقاً فيما يأمر به،
رفيقاً فيما ينهى عنه، عدلاً فيما يأمر به، عدلاً فيما ينهى عنه، عالماً
بما يأمر به، عالماً بما ينهى عنه ".
ووسائل الخير كثيرة لا تحصر، فيسلك الداعي فيها أفضل الطرق، وأدعاها
للقبول والاستجابة، ومنها: الخطب في أيام الجمع والأعياد والمجامع العامة،
والعناية بتربية الأولاد ونشر العلم الشرعي، والإحسان إلى الناس بالقول
والفعل، والكتابة والنصيحة المباشرة لصاحب المنكر، ومعاونة أفراد هيئات
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وشد أزرهم.