لم يكن الكاتب الصحفي صالح الشيحي يتوقع أن يثير تعليق كتبه على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" كل هذه الضجة ويقلب الوسط الثقافي السعودي رأساً على عقب.
رسالة صالح الشيحي
أقل من 140 حرفاً كتبها الشيحي أقامت الدنيا ولم تقعدها، عندما كتب في صفحته على "تويتر": "ما كان يحدث في بهو ماريوت على هامش ملتقى المثقفين عار وخزي على الثقافة.. آمنت أن مشروع التنوير الثقافي المزعوم في السعودية يدور حول المرأة".
أقل من دقائق على ضغط الشيحي على زر الإرسال في "تويتر" بعدها انهالت ردود الفعل الغاضبة.. فردت حليمة مظفر: "ألا ترى أن تعميمك يضع الجميع في سلة واحدة؟ هل من توضيح لما قلته من فضلك".. وردت لمياء باعشن: "حسبنا الله ونعم الوكيل عليك ياشيحي.. فتحت علينا أبواب جهنم فعلا أنت من الظلاميين الضالين".
تهديد عبده خال
وكان أقوى الردود من عبده خال الذي تداول مواقع الإنترنت صوره بكثافة في الملتقى مهددا برفع دعوى قضائية ضد الشيحي إن لم يعتذر وقال: "الأخ صالح خرجت تهمتك عن الحدود. فإما أن تثبت وإما أن تنتظر دعوة قضائية بتهمة القذف, فاعتذر قبل أن تصل هناك".
ومع أن الشيحي وعد بتوضيح ما كتب على "تويتر" وأكد أنه لم يقصد شخصا بعينه إلا أن هذه الحروف لم تكن كافية لتهدئة الأوضاع.. ورد وزير الإعلام عبدالعزيز خوجة في صفحته على "فيسبوك" بقوة على الشيحي وقال: "أن يقفز النقد فوق آدابه وأهدافه وأن يصل لمرحلة القذف والتشويه هذا هو الخزي.. ولا أزيد".
لقاءات تعارف على هامش ملتقى المثقفين
وما تزال الساحة الثقافية السعودية مشتعلة.. وكان الشيحي ينتقد ما شاهده في ملتقى المثقفين السعوديين الذي أقيم الأسبوع الماضي في فندق ماريوت في الرياض.. واجتمع فيه أكثر من ألف مثقف ومثقفة من السعودية، وهو أمر اعتبره الكثيرون اختلاطا غير مقبول.. ويتهم بعض الحضور النساء بأنهم جئن بكامل زينتهن وكأنهن في صالات أفراح وسهرن مع الرجال حتى الفجر وهو مانفاه آخرون.
ولا يتوقع أن تهدأ الأمور قريبا خاصة وأن صالح الشيحي يصر على موقفه.. وأكد في حديثه لـ"العربية.نت" على أنه مؤمن بكل حرف كتبه على تويتر.. وقال: "كنت أتمنى ألا يدخل الزميل عبده خال في هذا الموضوع لأني أشبه بمن نام في بطن الوادي فجرفه السيل.. وحتى الزميلات اللاتي دخلن في الموضوع كنت أتمنى ألا يدخلن فيه".. ويتابع: "أنا لست معنيا بالدخول في الصراعات.. وهي كلمة آمنت واقتنعت بها وأطلقتها ولست معنيا بأي ردة فعل بعد ذلك".
كلمة مؤمن بها
تعليق حزام العتيبي
وشدد الشيحي على أنه مؤمن بكل حرف كتبه في تغريدته، وقال: "ما قلته هي كلمة أدين لله تعالى بها وسأسأل عنها يوم القيامة لأنني شاهدت مخالفات شرعية لا ترضى الله وما لا يرضي الله عز وجل فهو خزي وعار.. سؤالي موجه وجوهري وهو إن كان من احتج على وجهة نظري هذه إذا كان الاحتجاج أنها غير صحيحة ويرون أن الملتقى وما حدث في بهو فندق الماريوت لا يتعارض مع مكارم الأخلاق ولا مع القيم والآداب العامة لماذا لم يحضروا زوجاتهم وبناتهم وأخواتهم ليستفيدوا من هذه النقاشات.. باختصار شديد لو كانوا صادقين لأحضروا زوجاتهم ولكنهم لا يريدون ذلك.. يريدون أن تشتعل النار في بيوت غيرهم".
وأضاف بتحد: "هم يقولون نقاشات جميلة ومكارم أخلاق ورقي ولم يحدث ما يخدش الحياء لماذا لم يتبرع أي مثقف سعودي أن يحضر زوجته أو بناته".
وكشف الشيحي أنه تعرض للكثير من الشتائم والانتقادات والتهديدات التي تطالبه بالتراجع عن رأيه، وقال :"كثير من المتعاطين مع الشأن الثقافي مارسوا ضدي أنواع كثيرة من الإرهاب النفسي وتعرضت لحملة قاسية شرسة وشتائم وسباب وقذف كلها من أجل أن أتراجع عن هذه القناعة وأنا متأكد تماما أن هذه الحملة ستزداد ضراوتها واشتعالها ضدي ولكني لن أتراجع عن قناعة مؤمن بها".. ويتابع :"هم رسبوا في أول اختبار أمامي".
أمور غير معقولة!
تعليق محمد البشر
ووقفت الكاتبة سكينة المشخص في صف الشيحي وتراه على صواب.. وقالت لـ"العربية.نت": لم أحضر المؤتمر.. ولكن عرفت أن كل طاولة كانت عليها امرأة واحدة وعشرة مثقفين".. وتتابع: "وصلني نقد شديد عليه وبعض الأصدقاء علقوا أن المثقفين لم يذهبوا للملتقى بل ذهبوا لملاقاة النساء.. فهل يعقل أن تجلس امرأه على طاولة واحدة ويحيط بها عشرة رجال؟ كانوا يسألوني هل ترين أن هذه ثقافة؟ هذه ليست ثقافة هل كان هناك خطأ في آلية إدارة الملتقى؟ عندما يسهر المثقفون حتى الفجر فمن الطبيعي لن يصحوا مبكرا.. ألا توجد فعاليات في الصباح خاصة وأن مدة الملتقى قصيرة جدا".
وتستغرب المشخص التي كانت أثارت الرأي العام السعودي مؤخرا بعد أن باتت أول سعودية تعتلي منصة الخطابة في ناد أدبي أمام الرجال من الميزانية الضخمة التي رصدت لاستضافة ألف مثقف في الملتقى وترى أنها لو صرفت لدعم المواهب الشابة لكان أفضل.. وتضيف :"كنت أتمنى بدلا من هذه الاستضافة أن تطبع ألف كتاب وتوجهها لرعاية وجوه شابة أفضل بكثير من جلب ألف مثقف لم يضيفوا للثقافة السعودية شيئا".
وأكدت أنها تؤيد ما قاله الشيحي.. وتضيف: "أضم صوتي لصوت الشيحي فمهما كانت هناك حركة انفتاح لابد أن تكون منظمة بشكل أكبر.. بعض الأحيان، المثقفون للأسف الشديد يتعاملون مع المرأة كأنها قادمة من عالم آخر".. وتتابع: "لماذا لم يحضروا زوجاتهم؟ هذا هو السؤال.. وتتساءل الشيحي صحيح.. معظم المثقفين يتعامل مع المرأة بانفتاح ولكن لو تسأل أحدهم لماذا لم تحضر زوجتك يقول نحن مازلنا نعاني، أنا رجل منفتح ولكن زوجتي ليست كذلك ونحن نؤمن أن هذه طبيعة المجتمع ولا نستطيع أن نتزوج كما نريد بل كما تريد أسرنا.. هذا هو دفاعهم".
اتهامات باطلة
حضور نسائي لافت
وفيما تعذر الحصول على تعليق من عبده خال الذي لم يرد على اتصالات "العربية.نت" لمدة ثلاثة أيام طالبت الكاتبة حليمة مظفر الشيحي بتوضيح ما شاهده في بهو الفندق ويستحق وصف الخزي والعار الذي أطلقه، وقالت: "إن كان قصده الاختلاط بين المثقفين والمثقفات في بهو الفندق فهو مكان عام ومن الطبيعي أن يكون ذلك في كل الملتقيات والمؤتمرات, لأن هناك تبادلا للآراء والأحاديث كزملاء وزميلات". وتتابع: "كنا في بهو فندق في مدينة الرياض وليس في مدينة أخرى والرياض مدينة محافظة والفندق أيضا سيكون ملزما بقوانين لا ولن يسمح بأي تجاوزات على الملأ فما الذي من الممكن أن يحصل وفق كلام الزميل الشيحي ويمكن وصفه بالخزي والعار لما في هذه الكلمتين من قدح وتجريح وقذف".
واستغربت مظفر اتهامات الشيحي وأضافت: "كنت أتمنى أن يحسب الزميل الشيحي نتائج كتابة تغريدته فقد طار بها المتربصون ليخوضوا اتهامات ومزايدات رخيصة تسيء لبعض المثقفين والمثقفات بالاسم مع الأسف الشديد لكي ينالوا من أناس شرفاء ينتمون لهذا الوطن الذي دافعوا عنه بشرف الكلمة وشرف القلم".. وتتساءل بحدة: "سؤالي هو ما الذي من الممكن أن يحصل في بهو فندق أمام الجميع.. فمن يريد أن يفعل شيئا فلن يفعله أمام الملأ".
وتتهم مظفر التيار المتشدد بمحاولة تشويه صورة المثقفين عمدا كاشفة أن الصور التي تم ترويجها حول الملتقى هي صور قديمة أخذت في قطر قبل عامين خلال الأيام الثقافية السعودية وتقول: "ما أساءني أن يتم وضع صور قديمة منذ سنتين في مدينة الدوحة وكانت على هامش ملتقى أيام سعودية في قطر وهذه محاولة رخيصة لإلصاقها بملتقى الرياض وقذف أسماء شريفة ونزيهة بالباطل وهو ما يؤكد أن النوايا لم تكن سليمة".
وختمت حديثها لـ"العربية.نت" قائلة "تمنيت من صالح الشيحي حين أطلق تغريدته ووجد زملاء وزميلات له يتم اتهامهم وتشويه صورتهم ورميهم بالباطل فقد كان ما يكتب في "تويتر" بشع جدا يتهم الأعراض وكنت أتمنى أن يتدخل كموقف نبيل ويوضح ما أراده من تغريدته ويوقف الإساءات لزملائه وزميلاته".
هجوم غير مبرر
تعليق صنهات العتيبي
من جانبه أكد محمد عابس وهو أحد المنظمين للمؤتمر أن اتهامات الشيحي غير مبررة وربما تكون ناتجة عن تراكمات سابقة.. وقال لـ"العربية.نت": "ليس هناك ما يبرر هجوم الشيحي فهو كان ملتقا كبيرا وتحت إشراف وزارة الإعلام ولكن ربما تكون تراكمات داخل الشيحي وأراد أن يكسب من خلالها وهجا إعلاميا".. ويتابع: "كان يجب عندما يريد أن يصرّح بشيء كان عليه ألا يعمم وألا يلجأ لكلام غامض يمكن أن يحتمل أكثر من معنى.. فالتعليقات في "تويتر" صبت في أمور سلبية لا يمكن أن يتصورها أحد، الجلسات كانت في النور وفي بهو الفندق وليست في غرف مغلقة بل أمام الله وخلقه".
ويرى عابس أن من حق المتضررين من اتهامات الشيحي اللجوء للقضاء ولكنه لا يتوقع أن تقوم وزارة الإعلام وهي الجهة التي نظمت الملتقى بذلك.. وقال: "لا أعلم أن وزارة الإعلام هل ستتخذ خطوة تجاه الأمر أم لا ولكن من حق أي شخص اتهم أن يبرئ نفسه عبر القضاء وهذا حق شخصي له.. الأمور كلها كانت تحت الضوء ولم يكن هناك ما يخل بالآداب العامة.. إذا كانت هناك محاولة بحث عن سقطات فهذا ليس دورنا".
ورد عابس على تساؤل الشيحي بعدم إحضار المثقفين لزوجاتهم بأن هناك بالفعل من حضر مع زوجته.. ويقول: "كثير من الضيوف حضروا مع زوجاتهم وكثير من الضيفات حضرن مع أزواجهم أو إخوانهن.. لم يكن الحضور منفردا.. الكلام ليس على عواهنه وعلينا ألا نتهم الناس لأنه قد تصل للقذف أو على الأقل السب العلني".
سب وليس قذفاً
من فعاليات ملتقى المثقفين
قانونياً يمكن لأي من المثقفين المتضررين من اتهامات الشيحي التوجه للقضاء ولكن ليس بتهمة القذف ولكن بدعوى السب العلني، وأكد المستشار القانوني سعد الوهيبي على أنه ليس من حق أي شخص مهاجمة الآخرين بهذا الشكل دون دليل وبينة واضحة.
وقال لـ"العربية.نت": "الكلام الذي قاله صالح الشيحي لا يدخل ضمن القذف ولكن يمكن اعتباره سبا علنيا يحاسب عليه قائله".. ويتابع موضحا: "هي ليست قضية قذف.. فالقذف هو كل ما يخص العرض ولكنها قضية سب وبالتالي لهم حق في رفع قضية سب ضد هذا الشخص لأن الشرع ينظر أيضا الى أنه إذا كان الشخص نعت فئة معينة من الناس يمكن أن يرفع أي منتم لهذه الفئة دعوى.. فإذا كان الكلام حقيقيا فيقع عليه عبأ إثبات التهم".
وشدد الوهيبي على أن الاجتماع الظاهر في بهو الفندق لا يعتبر مخالفة لأي من القوانين في السعودية وقال: "هل كان الاختلاط على منكر؟ بل كان على مرأى ومسمع من الجميع وهو لم يكن خلوة محرمة".. ويتابع: "لا يجوز لأي أحد كائنا من كان أن يتعرض لأحد أو يسب عرضه إلا أن تكون هناك وثائق وإثباتات أكيدة".
وختم متسائلا: "لماذا لم يتجه الكاتب للجهات الرسمية ويقدم شكوى بدلا من كيل الاتهامات".
لم يكن أحد يتوقع أن 118 حرفا ستشعل كل هذه النيران.. مواقع الإنترنت ماتزال تعج بالنقاشات الحادة بين مؤيد للشيحي ومعارض له.. ولا يتوقع أن تنتهي الأمور باعتذار.