علامات قبول الطاعه
إن من علامات قبول الطاعة
فإن الرجوع إلى الذنب علامة مقت وخسران
قال يحي بن معاذ : من إستغفر بلسانه وقلبه على المعصيـة معقود
وعزمه أن يرجع إلى المعصيـة بعد الشهر ويعود
فصومه عليه مردود
وباب القبول في وجهه مسدود
إن كثيراً من الناس يتوب وهو دائم القول : إنني أعلم بإني سأعود .. لا تقل مثله
ولكن قل : إن شاء الله لن أعود تحقيقاً لا تعليقاً واستعن بالله واعزم على عدم العودة
فالله غني عن طاعاتنا وعباداتنا قال عز وجل :
{وَمَن يَشْكُرْ فَإنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [لقمان: 12]
وقال تعالى :
{إن تَكْفُرُوا فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر: 7]
والمؤمن مع شدة إقباله على الطاعات والتقرب إلى الله بأنواع القربات
إلا إنه مشفق على نفسه أشد الإشفاق .. يخشى أن يُحرم من القبول
فعن عائشة رضي الله عنها قالت :
سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآيـة :
{وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون: 60]
أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟!
قال : (لا ياإبنـة الصديق ولكنهم الذين يصومون ويصلّون ويتصدقون
وهم يخافون أن لا يقبل منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات)
فعلى الرغم من حرصه على أداء هذه العبادات الجليلات فإنه لا يركن إلى جهده
ولا يدل بها على ربه .. بل يزدري أعماله ويظهر الإفتقار التام لعفو الله ورحمته
ويمتلئ قلبه مهابـة ووجلاً يخشى أن ترد أعماله عليـه والعياذ بالله
ويرفع أكف الضراعـة مُلتجئ إلى الله يسأله أن يتقبل منه
إن علامـة قبول الطاعة أن يوفق العبد لطاعـة بعدها
وإن من علامات قبول الحسنـة فعل الحسنـة بعدها
فإن الحسنـة تقول : أختي أختي
وهذا من رحمـة الله تبارك وتعالىَ وفضله إنه يُكرم عبده إذا فعل حسنـة وأخلص فيها لله
إنه يفتح له باباً إلى حسنـة أخرىَ ليزيده منه تقرباً
فالعمل الصالح شجرة طيبـة تحتاج إلى سقايـة ورعايـة حتى تنمو وتثبت وتؤتي ثمارها
وإن أهم قضيـة نحتاجها أن نتعاهد أعمالنا الصالحـة
التي كنا نعملها فنحافظ عليها ونزيد عليها شيئاً فشيئاً
وهذه هي الإستقامـة التي تقدم الحديث عنها
إن العبد المؤمن مهما عمل وقدَّم من إعمالٍ صالحـة
فإن عمله كله لا يؤدي شكر نعمـة من النعم التي في جسده
من سمع أو بصر أو نطق أو غيرها ولا يقوم بشيء من حق الله تبارك وتعالىَ
فإن حقـه فوق الوصف .. ولذلك كان من صفات المخلصين إنهم يستصغرون أعمالهم
ولا يرونها شيئاً حتى لا يعجبوا بها ولا يصيبهم الغرور فيحبط أجرهم
ويتكاسلوا عن الأعمال الصالحـة
ومما يعين على إستصغار العمل معرفة الله تعالىَ ورؤيـة نعمه وتذكُر الذنوب والتقصير
ولنتأمل كيف أن الله تعالىَ يوصي نبيه بذلك بعد أن أمره بأمور عظام فقال تعالىَ :
{يا أيها المدثر. قم فأنذر. وربك فكبر. وثيابك فطهر. والرجز فاهجر. ولاتمنن تستكثر}
فمن معاني الآيـة ما قاله الحسن البصري : لاتمنن بعملك على ربك تستكثره
قال الإمام إبن القيم (كلما شهدت حقيقـة الربوبيـة وحقيقـة العبوديـة
وعرفت الله وعرفت النفس وتبيَّن لك أن ما معك من البضاعـة لا يصلح للملك الحق
ولو جئت بعمل الثقلين خشيت عاقبتـه وإنما يقبله بكرمـه وجوده وتفضله
ويثيبك عليه أيضاً بكرمه وجوده وتفضله) (مدارج السالكين) (439/2)
من علامات القبول أن يحبب الله في قلبك الطاعـة فتحبها وتأنس بها وتطمئن إليها
قال تعالىَ :
{الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد28)
ومن علامات القبول أن تكره المعصيـة والقرب منها وتدعو الله أن يُبعدك عنها قائلاً :
اللهم حبب إليَّ الإيمان وزينه في قلبي
وكرَّه إليَّ الكفر والفسوق والعصيان وإجعلني من الراشدين
إن الخوف من الله لا يكفي .. إذ لابد من نظيره وهو الرجاء
لإن الخوف بلا رجاء يسبب القنوط واليأس والرجاء بلا خوف يسبب الأمن من مكر الله
وكلها أمور مذمومـة تقدح في عقيدة الإنسان وعبادتـه
ورجاء قبول العمل مع الخوف من رده يورث
الإنسان تواضعاً وخشوعاً لله تعالىَ فيزيد إيمانـه
وعندما يتحقق الرجاء فإن الإنسان يرفع يديه سائلاً الله قبول عمله
فإنه وحده القادر على ذلك
وهذا ما فعله أبونا إبراهيم خليل الرحمن وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام
كما حكى الله عنهم في بنائهم الكعبـة فقال :
{وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم}
( البقرة:127)
سبحان الله إذا قبل الله منك الطاعة يسَّر لك أخرىَ لم تكن في الحسبان
بل وأبعدك عن معاصيـه ولو إقتربت منها .
قال تعالىَ :
{َأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى{5} وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى{6} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى{7}
وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى{8} وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى{9} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى{10} (4 - 10 الليل)
من علامات قبول الطاعـة أن يُحبب الله إلى قلبك الصالحين أهل الطاعـة
ويُبغض إلى قلبك الفاسدين أهل المعاصي
ولقد روىّ الإمام أحمد عن البراء بن عازب رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(إن أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله)
قل لي من تحب من تجالس من تود أقل لك من أنت
ولله در عطاء الله السكندري حين قال :
(إذا أردت أن تعرف مقامك عند الله فانظر أين أقامك)
والواجب أن يكون حبنا وبغضنا وعطاؤنا
ومنعنا وفعلنا وتركنا لله سبحانه وتعالىَ لا شريك له
ممتثلين قوله صلى الله عليه وسلم
(من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد إستكمل الإيمان )
رواه أحمد عن معاذ بن أنس وغيره
المتأمل في كثير من العبادات والطاعات مطلوبٌ أن يختمها العبد بالإستغفار
فإنه مهما حرص الإنسان على تكميل عمله فإنه لابد من النقص والتقصير
فبعد أن يؤدي العبد مناسك الحج قال تعالىَ :
{ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} ( البقرة :199)
وبعد الصلاة علَّمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نستغفر الله ثلاثاً
وأهل القيام بعد قيامهم وإبتهالهم يختمون ذلك بالإستغفار في الأسحار
قال تعالىَ :
{وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } (الذاريات : 18)
وأوصىَ الله نبيه صلى الله عليه وسلم بقول
{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} (محمد : 19)
وأمره أيضاً أن يختم حياتـه العامرة بعبادة الله والجهاد في سبيله بالإستغفار فقال :
{إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ{1} وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً{2}
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً{3}) (النصر)
فكان يقول صلى الله عليه وسلم في ركوعـه وسجوده :
( سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي) رواه البخاري
كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم المداومـة على الأعمال الصالحـة
فعن عائشة رضي الله عنها قالت :
(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملاً أثبته) رواه مسلم
و أحب الأعمال إلى الله وإلى رسوله أدومها
وإن قلَّت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل) متفق عليه
وبشرى لمن داوم على عمل صالح
ثم إنقطع عنـه بسبب مرض أو سفر أو نوم كتب له أجر ذلك العمل
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إذا مرض العبد أو سافر كتب له
مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً) رواه البخاري
وهذا في حق من كان يعمل طاعـة فحصل له
ما يمنعـه منها وكانت نيتـه أن يداوم عليها
وقال صلى الله عليه وسلم
(ما من امرئ تكون له صلاة بليل فغلبه عليها
نوم فيصلي ما بين طلوع الشمس إلى صلاة الظهر إلا كتب الله
له أجر صلاته وكان نومه صدقة عليه )