كشفت دراسة صادرة عن معهد الاستشراف
الاقتصادي لعالم المتوسط الذي مقره العاصمة الفرنسية باريس حول "المنظومة
الصحية في الجزائر والمغرب وتونس: التحديات الوطنية والرهانات المشتركة"،
أن الجزائر تعيش حالة تغير شاملة في المجال الصحي ستفرز تحديات حقيقية
نتيجة الارتفاع الحاد لنسبة الشيخوخة في المجتمع الجزائر، وكذا حدوث تغير
جدري في الخريطة الوبائية الوطنية التي ستشهد انتشارا كبيرا للأمراض
المزمنة المرتبطة بالشيخوخة وتغير الأنماط الغذائية وارتفاع معدل سكان
الفضاء الحضري.
وأكدت الدراسة التي عمل على إعدادها
خبراء مرموقون من الجزائر على غرار جون بول جرونجو، ونور الدين عاشور من
تونس، وفكيري شاوي من المغرب، أن تحديات العشرية القادمة التي ستواجه
المنظومة الصحية في الجزائر وبلدان المغرب العربي لا يمكن حلها بطريقة
فردية على مستوى كل بلد بدون تعاون حقيقي وجاد بين الدول المغاربية التي
تعرف تحولات عميقة ديموغرافيا ووبائيا وتنظيميا وديمقراطيا لكونها وحدة
جيوسياسية وثقافية وبشرية واحدة، لشعوبها نفس المطالب في الوصول إلى خدمات
صحية ذات نوعية بأقل تكلفة أمام عجز حكومي متفاقم في مجال الحوكمة، وفي مجال توفير موازنات مالية مناسبة تزداد حدة في حال الفشل في مواجهة تحدي وضع نظام معلومات متطور وشفاف لاتخاذ القرار.
وتشير
الدراسة التي حصلت "الشروق" على نسخة منها، أن التحدي الخطير الذي سيواجه
دولة مثل الجزائر يتمثل في الانقلاب الذي سيحصل في هرم التركيبة السكانية
خلال السنوات القليلة القادمة، حيث ستعرف الجزائر زيادة خطيرة جدا في عدد
السكان فوق 60 سنة، بالموازاة مع تراجع محسوس في عدد المواليد، وهو ما يمثل
تحولا ديموغرافيا خطيرا على المجتمع الجزائري خلال العقود الأربعة
القادمة.ويتوقع أن يبلغ عدد سكان الجزائر 49.6
مليون نسمة سنة 2050 مقابل 35.4 مليون نسمة سنة 2010، فيما سيبلغ عدد
السكان فوق 60 سنة حوالي 17٪ من إجمالي عدد السكان، وهو معدل يضع الجزائر
في وضع لا تحسد عليه في مجال توفير الأموال الخاصة بالرعاية الصحية
والاجتماعية للشيخوخة والأمراض التي تصاحب هذه المرحلة العمرية آليا. 9.9 مليون جزائرية في سن الإنجاب وتبين الدراسات الميدانية التي أجريت في
إطار الدراسة بالنسبة للحالة الجزائرية أن معدل الزيادة الطبيعية في عدد
السكان تراجع بشكل خطير جدا بين سنة 1966 و2008 حيث نزل من 3.21٪ إلى 1.7
سنة 2008 وهي من أعلى المعدلات في العالم والتي حصلت بسبب الأزمة السياسية
والاقتصادية التي عصفت بالبلاد منذ 1991، حيث قفز متوسط سن الزواج الأول
أيضا من 18 سنة في 1966 إلى 29 سنة في 2008 بالنسبة للنساء و23 سنة إلى 33
سنة بالنسبة للرجال خلال الفترة المعنية، ورافق هذا الارتفاع في سن الزواج
في تراجع معدلات الخصوبة الطبيعية للمرأة الجزائرية الذي انتقل من 8 أولاد
سنة 1970 على 2 فقط سنة 2008، مع وجود 9.9 مليون جزائرية في سن الولادة
مقابل 7 ملايين سنة 1998 و2.3 مليون سنة 1966. ودقت الدراسة ناقوس الخطر الحقيقي عندما
توصلت إلى أن تركيبة المجتمع الجزائري تتوجه لتنقلب خلال العقود القادمة
بسبب ارتفاع عدد السكان فوق 60 سنة، حيث سيناهز عددهم سنة 2050 حوالي 9
ملايين نسمة، حيث ستنتقل نسبة هذه الشريحة من 3٪ سنة 1966 إلى 8٪ سنة 2008
و12٪ سنة 2020 قبل أن يقفز إلى 17٪ سنة 2050 مع ارتفاع قوي في الأمل في
الحياة عند الولادة الذي ارتفع من 49 سنة في عام 1962 إلى 75.7 سنة عام
2008. وفي الجهة المقابلة لتركيبة السكان،
عرفت نسبة السكان بين 0 و4 سنوات تراجعا رهيبا منذ 1995، حيث نزلت من 13.4٪
منتصف التسعينات إلى 10.9٪ سنة 1998 ثم 9٪ ثم 10٪ فقط سنة 2008. وتكشف الدراسة أن
الضغط الشرياني هو المرض الرئيسي الذي يصيب الجزائريين في المرحلة بين 35
و70 سنة بنسبة 16.23٪ ثم السكري بنسبة 8.8٪ والربو بنسبة 3.75٪ ثم أمراض
القلب بنسبة 3.7٪ ثم 3.2٪ الإصابة بالديسليبيدميا و2.8٪ بالقرحة المعدية،
ثم الجنون بنسبة 2٪ و0.35٪ بالسرطان و 0.25٪ بالعجز الكلوي.