سأعود قريبا للجزائر ولا يعقل أن يدعى أعداء الوطن رسميا ويحرم أبناؤه.
يكشف الكاتب الصحفي أنور مالك، المقيم حاليا بمنفاه بباريس أنه سيعود قريبا إلى أرض الوطن وأنه يعكف حاليا على إطلاق مبادرة لعودة كل الجزائريين المنفيين إلى أحضان الوطن الأم، واستغرب أنور مالك، كيف يدعى لزيارة الجزائر من أظهر عداءه للشعب والدولة وسعى في خرابها، بينما يحرم أبناء البلد الذين يدافعون عن الجزائر في المحافل الدولية أكثر مما يدافع عنها الرسميون.
تردد في أوساط إعلامية عن طرحكم مبادرة لعودة المنفيين من أبناء الجزائر إلى بلدهم الأم، فما فحوى هذه المبادرة؟
هذه المبادرة أعمل عليها منذ فترة لأسباب عديدة وأهمها أنه لا يمكن لأي كان أن يناضل من أجل خير وطنه من الخارج، كما لا يمكن أن يقبل الشعب الجزائري بأي أطروحة آتية من باريس أو لندن أو أي مكان آخر، ولو كانت موضوعية وراشدة، لأسباب تاريخية معروفة.
لقد وصلت لقناعة تامة أنه يجب علينا جميعا أن نعود لوطننا ونساهم كل حسب مقدرته في بناء مستقبل الأجيال. سأعلن قريبا عن مبادرتي لما تتبلور وتكتمل الحيثيات والمشاورات.
وأقولها إن كل من يتبنّى المعارضة ويطرح نفسه بديلا عليه أن يعود لبلاده فإن تمّ اعتقاله فإنه سيثبت للعالم أنه يوجد مساجين رأي في الجزائر وهنا ستنكشف عورة النظام الذي يتغنى بحرية التعبير والديمقراطية وحقوق الإنسان، أما إن لم يحدث ذلك فهو الهدف لأجل أن يتواصل هؤلاء مع عامة الناس ويتبنون قضاياهم وانشغالاتهم. بالنسبة لمن يرفض مبادرة العودة فهو:
1 - إما أنه جبان يهاب الزنازين ولم يتجرّأ على مقارعة رجولية لنظام يعارضه ويريد إسقاطه، ولا يقدر إلا على لوحة مفاتيح حاسوب أو أمام كاميرا تلفزيونية بعد مكياج معمول به.
2 - وإما أنه لا يريد تطليق حياة البذخ والنعمة في العواصم الكبرى.
3 - وإما أنه عميل مأجور ولا يملك سيادة على نفسه من طرف جهات أجنبية تتحكم في كل كبيرة وصغيرة تتعلق به.
على كل حال سنجسّ النبض ونرى كل واحد حيث سيصنّف نفسه، كما سنضع النظام أمام امتحان حقيقي على مرأى المجتمع الجزائري والدولي، فإما أن يختار الأسود أو الأبيض، أما الرمادي الذي يتوارى فيه التضييق وخنق الحريات والمتابعات والتشويه والتعتيم وما ينجرّ عنها فقد تولّى خاصة الآن.
سأعود قريبا لبلادي فلا يعقل مطلقا أن تباع مؤلفاتي وأنا غائب عن القارئ الجزائري الذي يبادلنا كل التقدير والمحبّة ونبادله الأكثر منها، كما لا يمكن أن أتحمل رؤية مثقفين وكتّاب وصحفيين أجانب وحتى من يعادون وطني تتمّ دعوتهم وأنا محروم بالرغم من أنني - بلا رياء- دافعت باستماتة ولا أزال عن مصالح بلادي العليا.
أي مستقبل ترونه للجزائر في ظل الإصلاحات الجديدة، وهل بإمكانها صدّ ما يعرف بالثورة وما مصداقية السلطة في ذلك؟
أولا يجب أن ننبه لأمر مهم، أن الشعب الجزائري لا يؤمن بثورة تأتي بعد ثورة نوفمبر 1954 لأنه يدرك أن ثورته قلمت أظافر الإمبراطورية الفرنسية ولا يرى لها توأما في كل الدنيا، كما أن الشعب الجزائري خاض انتفاضات عديدة ضد الاستبداد والتسلط والأحادية ودخل في مرحلة دموية ودفع الثمن غاليا، فليس له القابلية أبدا لأن يكون محلّ تجربة ومجازفة أخرى. ولكن لا يعني ذلك الاستهانة والاستخفاف بالجزائريين المعروفين برجوليتهم لما يتعلق الأمر بالكرامة والشرف، فعلى السلطة أن تراجع أوراقها فعليا وليس عن طريق ترقيعات لربح الوقت فقط وتجاوز المرحلة الحرجة بأقل التكاليف.
في اعتقادي كمثقف أن ما أقدمت عليه السلطة يدل على جهلها المطلق أو أنه يجري تغليط الرئيس بتقارير ذات الولاءات والحسابات الحزبية عن واقع الجزائريين الذين ينتفضون بسبب الوضع الاجتماعي المزري برغم الطفرة المالية الخيالية، فبدل أن تقدم السلطة على إجراءات فعلية وملموسة، راحت تطلق مشاريع تتعلق بالانتخابات والقوانين والدستور والكوطات والتي هي مطالب حزبية ضيقة لا تخدم إلا فئة انتهازية تريد الحفاظ على مكاسبها ونفوذها.
الجزائري على يقين أنه لا يُحكم بالدستور، فلذلك لا يهمه تعديله ويدرك أن المال الحرام والتزوير هما اللذان يوصلان فلان وعلاّن للبرلمان، فلا يهمّه قانون الانتخابات. السلطة بإصرارها على تسييس مطالب الجزائريين بورشات عمل تشرك فيها سياسيين منبوذين في الوسط الشعبي، هي من تريد تعفين الوضع وليس الجزائريين الذين نسوا همومهم الاجتماعية القاسية لما راودهم إحساس بمؤامرة تحاك على وطنهم.
يعتبر الفساد على رأس العراقيل التي يمكن أن تعرقل مسار الإصلاحات، كيف يمكن للسلطة التعاطي مع ذلك؟
الفساد في الجزائر بلغ ذروته فقد تجذّر في كل القطاعات إلى حدّ التعفن، ولا يمكن أن ينجح المصلح وهو يتحرك في دائرة قذرة أو تحكمه أطر فاسدة أو يراهن على أياد ملطخة. والنظام كي يواجه ذلك عليه أن يعتمد على ثلاثة أمور أولها استقلالية القضاء وتطهيره وثانيا الاعتماد على الرجال النزهاء وثالثا صياغة آلية فعالة وحقيقية لمواجهة الظاهرة، فلا يمكن مثلا أن نطلق مرصدا لمكافحة الرشوة والفساد ونحدّ من صلاحيات رجاله إذا تعلق الأمر بفساد شخصيات نافذة أو لا يتحرك إلا بأمر الوصاية.
الحرب على الفساد يجب أن تكون شاملة، ومادام الجزائريون لم يشاهدوا يوما وزراء وشخصيات كبيرة تساق إلى السجون وتصادر أموالها، وطبعا نقصد تلك التي تلاحقها تهم الفساد، فلا يمكن أن يثق في السلطة ويؤمن بمشاريعها مهما كانت.
هل يمكن تفسير ما أقدمت عليه "كنال بلوس" مؤخرا ببث شريط حول ما عرف بقضية تبحيرين، بجملة ضغوط منتظرة، والعودة إلى فتح ما يسمى "من يقتل من؟" وما علاقة ذلك بمطالب الاعتذار عن الجرائم الفرنسية في الجزائر؟
لم يغلق الملف حتى نقول إنه أعيد فتحه من جديد، وستظل قضية الرهبان ورقة تلعبها بعض الدوائر النافذة في فرنسا ولو رجع الضحايا أحياء ورووا قصة ذبحهم، فلا تهمهم الحقيقة بقدر ما تهمهم تداعيات الملف وتقلباته.
بالتأكيد أن عودة الموضوع للواجهة له ارتباط بقضايا داخلية في فرنسا التي هي على موعد مع الانتخابات الرئاسية التي تعرف صراع اليمين واليسار، ومن جهة أخرى هناك الملف الليبي الذي سيكون حاسما في مستقبل الرئيس ساركوزي، وتوجد ملفات أخرى خفية تعرف طبيعتها الأجهزة السرية، كما لا يمكن تجاهل حساسية العلاقة بين البلدين.
أما الاعتذار الذي تتحدث عنه فلم تطلبه الجزائر رسميا بل ظل مجرد شعارات تنفخ في المناسبات وتحركه بعض الأطراف الحزبية لحسابات أخرى لا تتعلق بملف الذاكرة أصلا. ولهذا فهو لا يقلق فرنسا، كما يتخيل البعض بقدر ما يفضح أصحاب الاعتذار أنفسهم لأنهم يقدمون رجلا ويؤخرون أخرى برغم عدالة المطلب ومشروعيته.
يرى البعض أن الجزائر ستتكيف مضطرة مع تطورات الوضع الإقليمي الجديد وما مصداقية هذه الرؤى؟
بالتأكيد الجزائر مجبرة على التكيّف وفق ما يخدم مصالحها، مع تطورات الوضع الإقليمي. ففي الساحل والصحراء وضع ينذر بالانفجار في ظل تصاعد قوة الإرهاب والجريمة العابرة للقارات، وعلى شرقها ليبيا التي تعيش حربا أهلية تحت احتلال غربي .أما غربها فنجد المغرب ومكائده، وملف الصحراء الغربية الذي ستكون عواقبه وخيمة بالمنطقة في ظلّ تعنّت مغربي وتجاهل دولي لمصير هذا الشعب. الجزائر تواجهها تحديات كبيرة وتحتاج إلى رجال أكفاء وأصحاب رؤية ناضجة يفهمون جيدا معايير اللعبة ويتقنون أصول التعامل مع التحديات الإقليمية الكبرى، وإلا سيعود الأمر بالوبال على بلادنا لا قدر الله.
يتفق الكثير من المحللين على أن الجزائر نأت بموقفها التورّط في المستنقع الليبي، كيف يمكن للدبلوماسية الجزائرية استثمار ذلك؟
أنا مؤيد للموقف الجزائري ومن خلال المعطيات المتواضعة المتوفرة لدي، وبالتأكيد أن الدولة الجزائرية لديها معطيات وأسبابها القوية، ولا يمكن أن تبوح بها أو تكشفها لأنها تتعلق بأمن البلاد أولا وقبل كل شيء.
نحن نرى أن ليبيا تحولت لمستنقع حقيقي سيزداد تعفّنا في المنطقة المغاربية، لم تتورط فيه فرنسا كما يخيل للبعض بل ستستفيد منه حاليا على الأقل، والمتورط الحقيقي الآني هي دول الجوار وعلى رأسها الجزائر التي لديها حدود طويلة مع هذه البلاد. الشيء الذي تخوفت منه الجزائر ظهرت بوادره بوضوح ومع مرور الأيام سيثبت للجميع أن الدبلوماسية الجزائرية محقة جدا في موقفها الحيادي الرافض للتدخل الأجنبي وخيار الحرب، ولهذا فالدور كبير الآن على الجزائر من أجل أن تحمي حدودها من تهريب الأسلحة خاصة، كما عليها أن تساعد في إنقاذ ما يمكن إنقاذه بليبيا وإن كان الأمر صعب المنال لكنه غير مستحيل، وذلك في دعم قوى معتدلة ترفض العنف والتطرف.
أي مستقبل ترونه للوضع الأمني والاستراتيجي للمنطقة، سيما بعد نشر ورود تسريبات تفيد بتعاون مخابرات "المخزن" مع استخبارات غربية، لاستغلال اللاجئين الليبيين المتجهين نحو الحدود التونسية والجزائرية، لتحيين شبكات عملائها، لضرب استقرار الجزائر؟
لقد كشفت في كتابي "المخابرات المغربية وحروبها السرية على الجزائر"، الكثير من هذه المخططات، ولن يتوانى المخزن في مؤامراته على بلادنا مادام قائما وسيستغل أي شيء ولو بما يجرمه القانون الدولي. لقد نشطت المخابرات المغربية كثيرا في هذه الفترة وبذلت ما لا يمكن تخيله بعدما وقفت عاجزة على إثر صفعة تحقيقات الداخلة التي أنجزتها ونشرتها الشروق في حينها وأحدثت زلزالا كبيرا.
للمخزن نظرية توسعية لا إنسانية واحدة أنه يجب تدمير الجزائر حتى يتصدر المنطقة المغاربية ويستفرد بالقضية الصحراوية ويزحف على اللاجئين الصحراويين لإبادتهم ومن ثمة يبسط العلويون عرشهم. أما تعامل المخزن مع المخابرات الغربية فهو أمر صار مكشوفا حتى مع الموساد أيضا، وتقول معلومات إن المغرب يراهن على قاعدة عسكرية أمريكية على ترابه وستستعملها واشنطن في ضرب معاقل القاعدة في الساحل والصحراء بعد ما حدث في ليبيا، وهذا الذي سيعرض الأجواء الجزائرية للاختراق كما يجري في باكستان.