لرام الله حين يغشاها الخريف نكهة الوجد و عبق الياسمين الآسر .. فكيف إذا كان خريفاً محملاً بكل نسائم الشهداء و أوراق الغضب .. كيف إذا كان خريفاً مسكوناً بالتمرد و حكايا المقاومة، كيف إذا كانت بيت ريما تعود لتقف على واجهة الخريطة من جديد و تبث الوطن أجمل فرسانها و الورود ..
بيت ريما .. تعرفها أيام انتفاضة كانون الماضية .. تعرف حجارتها و دروبها و شعارات جدرانها التي لم تمح آثارها السنين .. تعرف متاريسها التي زرعتها سواعد الغاضبين على مداخل الحارات ..و رصاصها حين يلاحق جنوداً لا يتقنون غير الاختباء ..
للزعتر الريماوي نكهته الخاصة .. لزيتونها طعم البقاء ..و لحنونها لون الشفق حين ينثر طيفه الأخير على سفوح تلالها القريبة ..
للغضب الريماوي وقع سنابك الخيول حين تمضي في كل الجهات .. و لجرحها نزيف الشمس و عبق خيوطها ..
بيت ريما .. ربما لا تعرفك ذاكرة العرب المدفونة بين الرمال .. ربما لم يسمع بك المنبوذون عن ملامح النخوة في العواصم الصامتة ..و ربما لم يعبأ بدمعك المتهالكون على أعتاب اعدائك يستجدون المصالحة و يطلبون الغفران و يقدمون الوطن كله قرباناً لشارون و جيشه ..
و لأنك تعلمين الحقيقة .. لم تستغيثي بهم و لم تطلق حرائرك صرخة تنادي بها معتصم المسلمين .. و اكتفت بأن ترفع ناصيتها و ترنو بناظرها نحو السماء تسأل الله الفرج و تشكو له سوء الحال و تنافر القلوب من حولها ..
أما أولئك المزروعون عنوة في روابيها .. يكبلون الصوت و يعلنون الصمت و الانهيار فساعتهم باتت قريبة ، و لا بد لشعب حر من أن يلفظ آثارهم و يتجاوز رهاناتهم إلى الأبد .. فيمتد نفق طويل آخر يمضي عبره الشهداء ..
بيتَ ريما .. اعذرينا إن حجبتنا عن فضاءاتك القيود و كبلنا الحصار فلم نشارك الشهداء عرسهم و لم نواسي جرحك الكبير .. و لا تسامحي الذين خذلوك و هم يملكون لك نصرةً أو مواساة و لو بجرة قلم تدخل إلى قلبك بعض العزاء، فهؤلاء يموتون كل لحظة بيأسهم و الهوان .. و أنت تنتصرين بالدم و الرصاص و تنتصب قامتك من جديد